• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الزكاة .
              • القسم الفرعي : زكاة النقدين / الزكاة (ارشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 57 _زكاة النقدين 3 .

الدرس 57 _زكاة النقدين 3

أمّا الاستصحاب فلا يجري لكونه من الاستصحاب التعليقي كما عرفت، وكونه أيضاً من استصحاب الحكم الكلي وقد عرفت ما فيه. وأمّا الأطلاق ­ أي اطلاق أدلّة وجوب الزكاة في الدينار والدرهم ­ فلو سلّم بشمولها للمقام ­ وقطعنا النظر عن المناقشة في دلالتها على الإطلاق الأحوالي بحيث تتناول الدينار والدرهم اللذين جُعلا حُلية لورد الأطلاق مورد حكم آخر ­ إلا أنّه معارض بإطلاق الأدلّة النافية للزكاة عن الحِليّ ­ كما سنذكر إن شاء الله قريباً ­ فهي تشمل الدينار والدرهم المتخذين حلياً كشمولها لغيرهما.

وبالجملة، فإنَّ النِّسبة بين الدَّليلَيْن هي العموم من وجه، فإنَّ أدلَّة الدِّينار والدِّرْهم تشمل المتَّخذ للحِلِيّ، كما أنَّ أدلَّة نفي الزَّكاة عن الحِلِيّ تشمل مثل القلادة المغلَّف بها الدَّنانير وشبهها من الحِلِيّ، فيتعارضان في مادَّة الاجتماع، وهي الدِّينار والدِّرْهم المتخذَيْن للحِلِيّ، فتجب فيها الزَّكاة بمقتضى الأدلَّة الدّالَّة على الوجوب في الدِّينار والدِّرْهم، ولا تجب في الزَّكاة بمقتضى الأدلَّة الدّالَّة على نفي الزَّكاة في الحِلِيّ، فإنَّ القاعدة في المقام، وإن كانت التَّساقط في مورد الاجتماع والرُّجوع إلى العموم الفوقاني، وهو الدَّليل الدَّالّ على وجوب الزَّكاة في مطلق الذَّهب والفِضَّة، ومع عدم وجوده يرجع إلى الأصل العمليّ، إلاَّ أنَّه في المقام خصوصيَّة تقتضي عدم الذَّهاب إلى التَّعارض والتَّساقط، وهي أنَّه لو كان بين عنوانَيْن عموم من وجه، وكان تقديم أحدهما مستلزماً للَغويَّة العنوان في الدَّليل الآخر، دون العكس، للزم حينئذٍ تقديم الدَّليل الثَّاني الَّذي لا يلزم من تقديمه لَغْوية العنوان في الدَّليل الآخر.

كما في مثل حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: اغسل ثوبَك مِنْ أبوالِ مَاْ لَاْ يُؤْكَل لَحْمُه»([1])، وحسنة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كلُّ شيءٍ يطيرُ فلا بأس ببولِه وخرئِه»([2])، فالنسبة بينهما هي العموم من وجه، فإنَّ حسنة ابن سنان أخصّ من حسنة أبي بصير من أجل اختصاصها بما لا يُؤْكل لحمه، وأعمّ منها من جهة شمولها الطَّائر وغيره، وحسنة أبي بصير أخصّ من حسنة ابن سنان لتقييد موضوعها بالطَّيران، وأعمّ منها لشمولها الطّائر بقسمَيْه المحلّل والمحرّم أكله، فتتعارضان في الطَّائر الَّذي لا يؤكل لحمه.

وقد قيل: إنَّه بعد التَّعارض يرجع إلى قاعدة الطَّهارة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ تقديم حسنة ابن سنان على حسنة أبي بصير يُوجِب إلغاء عنوان الطَّير عن كونه موضوعاً للحكم بالطَّهارة، حيث تدلُّ على تقييد الحكم بطهارة البول والخرء فيما إذا كان الطَّير محلَّل الأكل، وهو في الحقيقة إلغاء لعنوان الطَّير عن الموضوعيَّة، فإنَّ الطَّهارة حينئذٍ مترتِّبة على عنوان ما يُؤْكل لحمه، سواء أكان ذلك هو الطَّير أم غيره.

وهذه بخلاف ما لو قدَّمنا حسنة أبي بصير، فإنَّه لا يلزم منه إلغاء العنوان الآخر عن الموضوعيَّة، بل غاية ما هنالك تقييده بغير الطَّير.

ولا يخفى أنَّ مصاديق ما لا يُؤْكل لحمه من غير الطَّير كثيرة، فلا يلزم حينئذٍ إلاَّ تضييق الموضوع لا إلغاؤه.

وكذلك الحال في المقام، فإنَّ تقديم أدلة نفي الزكاة عن الحلي لا يلزم منه إلاَّ تقييد أدلَّة وجوب الزَّكاة في الدِّينار والدِّرْهم بغير المتخذَّيْن للحِلِيّ، ومصاديق الدِّينار والدِّرْهم غير المتخذَيْن للحِلِيّ كثيرة.

وبالجملة، فلا يلزم من التَّقديم إلاَّ تضييق الموضوع.

وهذا بخلاف ما لو قدَّمنا أدلَّة وجوب الزَّكاة في الدِّينار الدِّرْهم، وقدَّمنا أدلَّة نفي الزَّكاة عن الحِلِيّ بغير الدِّينار والدِّرْهم المتخذَيْن للزِّينة، فإنَّه يلزم منه إلغاء عنوان الحِلِيّ عن كونه موضوعاً لنفي الزَّكاة؛ إذِ الموضوع حينئذٍ هو غير الدِّينار والدِّرْهم، سواء أكان حِلِيّاً أم غير ذلك، فلا خصوصيَّة للحِلِيّ في نفي الزَّكاة، مع أنَّ ظاهر الرِّوايات أنَّ للحِلِيّ موضوعيَّةً في نفي الزَّكاة.

والخلاصة: أنَّ الأقوى: هو عدم وجوب الزَّكاة في الدِّينار والدِّرْهم المتخذَيْن للزِّينة.

وممَّا يُؤكِّد عدم الوجوب: التَّعليل الوارد في صحيحة يعقوب بن شعيب «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عنِ الحِلِيّ أيزكَّى؟ فقال: إذاً لا يبقى منه شيءٌ»([3]).

فيفهم من هذا التَّعليل: أنَّ الزَّكاة شُرِّعت في المال الَّذي من شأنه الصَّرف في النَّفقة والصَّدقة، ونحوهما، وأمَّا ما يكون المطلوب منه البقاء، كالحِلِيّ فلا زكاة فيه، وإلاَّ لأدَّى إلى عدم بقائه، وهذه العلَّة تستدعي عدم تعلُّق الزَّكاة بالدِّينار والدِّرْهم المتخذَيْن للزِّينة، كالحِلِيّ، والله العالم بحقائق الأحكام، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل.

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فلا زكاة في السَّبائك والنِّقار(1)

(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا زكاة في السَّبائك والنِّقار والتِّبر، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه مع عدم قصد الفرار، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...».

أقول: المراد بالسَّبائك قِطَع الذَّهب غير المضروبة، وبالنَّقار قِطَع الفِضَّة كذلك.

وأمَّا التِّبر، فقال الجوهري: أنَّه «ما كان من الذَّهب غير مضروبٍ، فإذا ضُرِب دنانير فهو عينٌ»، وعن بعضهم «أنَّه تراب الذَّهب قبل تصفيته».

ويدلَّ على ذلك ­ مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام ­ : صحيحة علي بن يقطين المتقدِّمة، حيث ورد فيها «قال: إذا أردتَ ذلك فاسْبِكه، فإنَّه ليس في سبائِك الذَّهب ونِقَار الفِضَّة شيء من الزكاة»([4])، وفي مرسلة جميل عن بعض أصحابنا، «أنَّه قال: ليس في التِّبْرِ زكاةٌ إنَّما هي على الدَّنانيرِ والدَّراهمِ»([5])، وهي ضعيفة بالإرسال.

وفي صحيحة عمر بن يزيد «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ فرَّ بمالِه من الزَّكاة، فاشترى به أرضاً أو داراً، أعليه فيه شيءٌ؟ فقال: لا، ولو جعله حِلِيّاً أو نقراً فلا شيء عليه، وما منع نفسه من فضله أكثر ممَّا منع من حقِّ الله الَّذي يكون فيه»([6])؛ هذا كلُّه إذا لم يقصد الفرار من الزَّكاة، وإلاَّ فقد عرفت القول في حكمه سابقاً عند قول المصنِّف (رحمه الله): «وفي سقوطها بأسباب الفرار قولان: أشبههما السُّقوط»، فراجع، فإنَّه مهمٌّ جدّاً.

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والحِلِيّ(1)

(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تجب الزَّكاة في الحِلِيّ، محلَّلاً كان، كالسِّوَار للمرأة، وحلية السَّيف للرَّجل أو محرَّماً، كالخلخال للرَّجل، والمنطقة للمرأة، وكالأواني المتَّخذة من الذَّهب والفِضَّة.

وفي المدارك: «أمَّا سقوط الزَّكاة في الحِلِيّ المحلَّل، فقال العلاَّمة في التَّذكرة: إنَّه قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم؛ وأمَّا المحرَّم فقال في التَّذكرة أيضاً: إنَّه لا زكاة فيه عند علمائنا؛ لعموم قوله (عليه السلام): «لا زكاة في الحِلِيّ»، وأطبق الجمهور كافَّة على إيجاب الزَّكاة فيه».

وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيءٍ من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...».

 

([1]) الوسائل باب 8 من أبواب النجاسات ح2.

([2]) الوسائل باب 10 من أبواب النجاسات ح1.

([3]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح1.

([4]) الوسائل باب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح2.

([5]) الوسائل باب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح3.

([6]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3536
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 21-10-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12