قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فلو تعذَّر أَخْذ السَّاعي من نصيب الزَّوج، ورجع الزوج عليها(1)
(1) إذا تعذَّر بعد القِسمة أَخْذ الزَّكاة من نصيب الزَّوجة، لتلف نصيبها مثلاً، فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ السَّاعي يأخذ الزَّكاة من نصيب الزَّوج، ويرجع الزَّوج عليها بمقدار الزَّكاة.
وقد وافق في ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث قال: «فإنْ هلك نصِيبُها، وبقي نصيب الزَّوج، كان للسَّاعي أنْ يأخذ حقَّه من نصيب الزَّوج، ويرجع الزَّوج عليها بقيمته؛ لأنَّ الزَّكاة استحقَّت في العين دون الذِّمَّة».
أقول: ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) تبعا للشَّيخ ليس تامّاً؛ لأنَّ الفرض أنَّ القسمة صحيحة.
وعليه، فبعد القِسمة تكون الزَّكاة في نصف الزَّوجة، فإذا تلف نصيبها فقد تلفتِ الزَّكاة، ويتعيَّن الدَّفع عليها من مال آخر إذا كانت مقصِّرة.
وأمَّا إذا تلفت من دون تقصير منها، ولا تفريط، فليست ضامنة.
وعلى كلِّ حال، فلا موجب لانتقال الزَّكاة إلى نصيب الزَّوج.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يسقط وجوب الزَّكاة في النِّصف هنا لو طلَّق قبل إمكان الأداء؛ لِرجوع العوض إليها(2)
(2) لو طلَّقها قبل تمكُّنها مِنَ الأداء كما لو كانت مُفلِسةً فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ الزَّكاة لا تسقط في النِّصف العائد للزَّوج؛ لِرجوع العِوَض إليها، وهو البِضْع، قال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «ولو طلَّق قبل تمكُّنها مِنَ الإخراج لم يسقط زكاة ما أخذه الزَّوج لرجوع عوضه إليها، وهو البضع، بخلاف ما إذا تلف بعض النِّصاب قبل التَّمكُّن مِنَ الإخراج».
ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ إمكان الأداء شرط في الضَّمان، فمع عدم إمكان الأداء فلا ضمان عليها، فلا فرق حينئذٍ بين الصُّورتَيْن، ورجوع العِوَض إليها وهو البِضْع ليس بفارق هنا.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّاني: لو استردَّ المهر بردّتها بعد الحَوْل، فالزَّكاة عليها، ويقدَّم حقُّ الزَّكاة، وتغرِّمه للزَّوج(1)
(1) إذا ارتدّتِ الزَّوجة قبل الدُّخول انفسخ العقد، ورجع المهر إلى الزَّوج، فإنْ كان زكويّاً، وحال عليه الحَوْل فالزَّكاة عليها؛ إذ لا موجب لسقوط الزَّكاة.
وفي هذه الحالة فالحاكم الشَّرعي، أو وكيله، يتولَّى الإخراج، وتدفع مقابل الزَّكاة للزَّوج؛ لأنَّها ضامنة لهذا المقدار النَّاقص مِنَ العين الزَّكويَّة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان المهر حيواناً، أو نَقْداً في الذِّمَّة، فلا زكاة عليها في الموضعَيْن على الأقرب(2)
(2) قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «فأمَّا إذا أصدقها أربعين شاةً في الذِّمَّة، فلا يتعلَّق بها الزَّكاة؛ لأنَّ الزَّكاة لا تجب إلاَّ فيما يكون سائماً، وما يكون في الذِّمَّة لا يكون سائماً».
أقول: إنَّ النُّصوص ظاهرة في كون مورد الزَّكاة غير الكلِّي في الذمَّة، فلا تشمل ما كان ديناً، سواء أكان المهر حيواناً، أو نقداً.
وقد ذكرنا سابقاً أنَّ الدَّين لا تجب فيه الزَّكاة، وبالأخصِّ لو كان الدَّين حيواناً، فإنَّه أَولى بعدم وجوب الزَّكاة؛ لأنَّ السَّوم شرط، وحصوله ممَّا في الذِّمَّة متعذِّر، لا بمعنى أنَّ ما في الذمَّة لا يصحُّ أنْ يوصف بكونه سائماً، كي يتوجَّه إليه أنَّ السَّائمة والمعلوفة قسمان مِنَ الحيوان، فكما يجوز أنْ يثبت نفس الحيوان في الذِّمَّة، يجوز أن يثبت كلٌّ من قسمَيْه فيها، بل لأنَّ شرط تعلُّق الزَّكاة بالأنعام صدور وصف السَّوم منها في تمام الحَوْل، لا اتِّصافها بكونها سائمة، ولو في الذِّمَّة، ولا فرق في ذلك بين جعل مفهوم السَّوم عدمياً، وهو عدم العلف، وبين جعله وجوديّاً، وهو أكلها من مال الله المباح.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّالث: لو طلَّقها بعد الإخراج مِنَ العين غرمت له نصف المخرج، ولا ينحصر حقُّه في الباقي، خلافاً للمبسوط(1)
(1) قال الشَّيخ في المبسوط: «وإن كان أصدقها أربعين شاةً معيَّنة، فقد ملَّكها بالعقد، وجرت في الحَوْل من حين مَلَكَتْها قبل القبض وبعده، فإنْ طلَّقها بعد الدُّخول بها فقد استقرَّ لها المُلك والصَّداق، ولا شيء له فيه. فإذا حال الحَوْل وجبت فيه الزَّكاة، وإن كان قبل الدُّخول لم يخلُ من أحد أمرَيْن: إمَّا أن يكون قبل الحَوْل أو بعده. فإن كان قبل الحَوْل عاد إليه النِّصف، وإن كان بعد الحَوْل لم يخلُ من ثلاثة أحوال: إمَّا أن يكون قد أُخْرِجت منه الزَّكاة من عينها، أو من غيرها، أو لم يخرج الزَّكاة أصلاً، فإن كان قد أخرجت من غيرها أخذ الزَّوج نصف الصَّداق؛ لأنَّه أصابه بعينه حين الطَّلاق، وإن كانت أخرجت الزَّكاة من عينها، وبقي تسعة وثلاثون شاةً، كان له منها عشرون؛ لأنَّه نصف ما أعطاها...».
فقوله: «كان له منها عشرون...»، صريح في انحصار حقِّه في الباقي.
أقول: ما ذهب إليه الشَّيخ (رحمه الله) إنَّما يتمُّ على القول بأنَّ الزَّوج يملك بعد الطَّلاق نصف الصداق على نحو الكلِّي في المعين، فيرجع حينئذٍ بتمام النِّصف لسلامته عن عروض التَّلف عليه، فيأخذ عشرين شاةً مِنَ التِّسعة والثَّلاثين الباقية.
ولكنَّ الأقوى: ما ذهب إليه المشهور، من أنَّ شركة الزَّوج مع الزَّوجة في الصَّداق بعد الطَّلاق شركة حقيقيَّة في العين أي بنحو الإشاعة، ففي كلِّ فرد من الشِّياه يشترك فيه الزَّوج مع الزَّوجة بنحو الإشاعة.
وعليه، فيرجع الزَّوج بنصف الموجود، وهو تسع وثلاثون شاةً، فله نصفها، وهو تسعة عشرة ونصف، أي نصف قيمة شاة، ويرجع أيضاً بنصف قيمة التَّالف، أي يرجع بنصف قيمة الشَّاة المدفوعة زكاة، والله العالم بحقائق أحكامه.
وقع الانتهاء منه عصر يوم الخميس في السَّادس والعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة1442 للهجرة، الموافق للثَّاني عشر من شهر تشرين الثَّاني سنة 2020 للميلاد.
|