قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو تحرَّر بعضه وجبت (وجب) في نصيب الحريَّة(1)
(1) لا فرق في ما ذكرناه سابقاً من عدم وجوب الزَّكاة على العبد بين القِنِّ وهو العبد المحض الذي لم يتحرَّر منه شيء، ولم يتشبث بالحريَّة والمدبَّرِ وهو الذي يقول له المدبِّر: أنت حرٌّ دُبَر وفاتي وأمِّ الولد وهي الأمَّة التي ولدت لمولاها والمكاتبِ.
والأخير على قسمين:
فتارة: تكون الكتابة مطلقةً.
وأخرى: مشروطةً.
فالمطلقة، كأن يقول المولى لعبده: كاتبتك على أن تؤدِّيَ إليَّ كذا في وقتِ كذا، فإذا أدَّيت فأنت حرٌّ، فيقبل العبد لفظاً.
وأمَّا المشروطة، فهي التي يزاد فيها الردُّ في الرِّقِّ مَعَ العجز عن أداء ما اتَّفقا عليه، أي يقول له: كاتبتك على أن تؤدِّيَ إليَّ كذا في وقتِ كذا، فإذا أدَّيت فأنت حرُّ، وإلاَّ فأنت رَدٌّ في الرِّق.
وبالجملة، فلا تجب الزَّكاة على العبد بجميع أقسامه.
نعم، لو كان المكاتب مطلقاً، لا مشروطاً، وتحرَّر منه شيء وجبت عليه الزَّكاة في نصيبه إذا بلغ نصاباً.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل عنِ الحدائق أنَّه محلُّ اتِّفاق؛ لوجود المقتضي وارتفاع المانع...»، ومراده بالمقتضي عموم أدلَّة وجوب الزَّكاة.
ومراده مِنِ انتفاء المانع هو عدم شمول أدلَّة نفي الزَّكاة عن مال المملوك لما نحن فيه، ولذا لا يجري على هذا النَّصيب شيء من أحكام المملوك.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تجب في مال بيت المال(1)
(1) هذا متفرِّع على اشتراط المُلْك، ومِنَ المعلوم أنَّ مال بيت مال المسلمين هو ملك للمسلمين، أي للجهة العامَّة، وليس مُلْكاً لأشخاص معينِين.
نعم، إذا أعطى الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصُّ، أو العامُّ، أحداً مِنَ النَّاس من بيت مال المسلمين مِنَ الأجناس الزَّكويَّة، وقبضه، وكان بالغاً للنِّصاب، وجب عليه الزَّكاة حينئذٍ إذا توفرت باقي الشرائط.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا في الموهوب قبل القبض(2)
(2) هذا متفرِّع أيضاً على اشتراط المُلْك، فإنَّه لا يحصل في الهبة بدون القبض؛ لأنَّه شرط في صحَّة الهبة، كما هو المعروف بين الأعلام، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بناءً على عدم حصول المُلْك قبله...».
والوجه في ذلك: واضح، فإن الخطاب بالزكاة لا يتناوله قبل القبض؛ لعدم المُلْك، وعدم جواز التَّصرُّف فيه، بخلافه بعد القبض، فإنَّ أدلَّة الزَّكاة تشمله.
وتسلُّط الواهب على الفَسْخ، باعتبار أنَّ المُلْك متزلزل من حيث البقاء؛ لاحتمال الرُّجوع، غير مانع من أن تتناوله عمومات أدلَّة الزَّكاة؛ هذا كلُّه بناءً على اشتراط القبض في صحَّة الهبة.
وأمَّا إذا قلنا: بأنَّ القبض ليس شرطاً في صحَّة الهبة، بلِ المُلْك يحصل من حين العقد، وإنَّما لزومه متوقِّف على القبض، فتجب الزَّكاة حينئذٍ من حين العقد إذا تمكَّن مِنَ التَّصرُّف؛ لأنَّ التَّمكُّن مِنَ التَّصرف شرط في وجوب الزَّكاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
هذا، وقد حُكِي عن كاشف الغطاء (رحمه الله) دعوى أنَّ مراد القائلين بكون القبض شرطاً في اللُّزوم هو الكشف ومقصوده بالكشف: أي أنَّه بعد تحقُّق القبض يُعْلم بتحقُّق الملكيَّة من حين العقد واقعاً لا اللُّزوم المصطلح؛ لأنَّ الهبة مِنَ العقود الجائزة قطعاً، وليس القبض من ملزماتها جزماً؛ إذ بعد القبض يجوز عند الكلِّ رجوع الواهب، إلاَّ في المواضع الخاصَّة التي ذكروها وعيَّنوها، ولم يقل أحد بكون القبض من الملزمات.
ثمَّ قال: «وصرَّح المحقِّقون بأنَّ مرادهم من كون القبض شرطاً في اللُّزوم في الهبة ليس المعنى المعروف؛ لِما عرفت من وجهه، بل قالوا: معناه أنَّ العقد يوجب ملكيَّةً مراعاةً بتحقُّق القبض...».
ثمَّ اعلم أنَّه لو رجع الواهب قبل الحَوْل سقطت الزَّكاة بلا إشكال، ولو رجع بعد الحول، وإمكان الأداء، لم تسقط قطعاً، ولا يضمنها المتَّهب؛ لجريان استحقاق الفقراء إياها مجرى الإتلاف، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا الوصيَّة قبل الموت والقبول(1)
(1) هذا أيضاً متفرِّع على اشتراط المُلك، فلا تجب الزَّكاة في الموصى به، إلاَّ بعد الموت والقبول بناءً على اشتراط القبول، والأقوى عندنا عدم الاشتراط وأمَّا بناءً على عدم اشتراط القبول، فأيضاً يشترط في وجوب الزَّكاة القبول، بناءً على عدم إمكان التَّصرُّف بدونه، وإلا فلا.
ومثله المال الموروث، فإنَّه لا تجب فيه الزَّكاة بموت مورثه، بل مِنْ حين التَّمكُّن منه، وإن كان وقت الانتقال إليه بالموت، والله العالم.
|