قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ انتفتِ الملاءة فالرِّبح لليتيم إنِ اشترى بالعين، والأقرب: استحباب زكاة التِّجارة حينئذٍ(1)
(1) إذا لم يكن الوليُّ مَليّاً، واتَّجر لنفسه، فقد عرفت أنَّ هذا التَّصرُّف غير جائز، ويكون ضامناً، فإنَّ الأب مثلاً إذا استولى على مال ابنه الصَّغير، لا بعنوان الولاية عنِ ابنه، خرج عن كون مُحْسِناً، وصار غاصباً، فيتسحقُّ بتصرُّفه العقاب، ويترتَّب على ذلك الضَّمان.
ويدلُّ على ضمان الوليِّ أيضاً، مع عدم الملاءة، الرِّوايات المتقدِّمة النَّاهية عَنِ التَّصرُّف في ماله مع عدم الملاءة، هذا بالنسبة للضَّمان.
وأمَّا لو اتَّجر الوليُّ لنفسه، وربح في تجارته، فلمن هذا الربح؟
فالمعروف بين الأعلام، أنَّ الرِّبح لليتيم لو كان الشِّراء بعين مال اليتيم بحيث كانت المعاملة شخصيَّةً لا بالذِّمة بأنْ قال الوليُّ: أشتري بهذا المال المعيَّن كذا وكذا، فإنَّ الرِّبح تابع للمال.
ويدلَّ على أنَّ الرِّبح له جملة مِنَ الرِّوايات المتقدِّمة:
منها: حسنة ابن مسلم، ورواية ربعي بن عبد الله، وغيرها.
نعم، قد يُسْتَشْكل في المقام: بأنَّ كون الرِّبح له موقوفاً على صحَّة المعاملة، وهي باطلة؛ لأنَّ الوليَّ قصَد بالشِّراء أن يكون لنفسه، فهو غير مأذون شرعاً في هذا التَّصرُّف، وليست المعاملة فضوليَّةً، حتَّى يصحَّ أنْ تلحقها إجازة اليتيم؛ إذ لا معنى لإجازة عمل نفسه.
ولكن يُجَاب عن هذا الإشكال: بأنَّ المعاملة صحيحة لِصدورها من أهلها، ووقوعها في محلِّها؛ باعتبار أنَّ للوليِّ أن يبيع هذه العين بهذا الثَّمن، فإذا باعها فعليه الوفاء بعقده.
أمَّا قَصْد وقوع البيع لنفسه، فهو خارج عن حقيقة البيع، ولا مدخليَّة له في صحَّته؛ إذ هو حينئذٍ كالوكيل على الشِّراء بالعين، إذا قصد نفسه، فإنَّ صحَّة البيع لا تحتاج إلى إجازة مِنَ الموكِّل على الأقوى؛ لأنَّ الوكيل قد فعل ما وُكِّل فيه، وقصده لنفسه لاغٍ لا أثر له، وليس الفعل مشتركاً حتَّى تشخِّصه النِّيَّة؛ إذِ الفرض أنَّه وكيل على الشِّراء بالعين، وهو لا يقع إلاَّ للموكِّل، فكذا الوليّ هنا، ولا ينافي ذلك كون تصرُّفه الواقع منه على هذا الوجه حراماً وموجباً للضَّمان.
ولكنَّه مع ذلك لا تزول ولايته وسلطنته على هذا المال، فإذا باع شيئاً من مال الطِّفل، ولم يكن في البيع مفسدة، لم يكن قصدُ العصيان حيث باع لنفسه المؤثِّر في صيرورة يده عادية مانعاً عن قدرته على الوفاء بعقده، ولا عن قلب يده إلى يد أمينة بتغيير قصده وجعله للطِّفل.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ المعاملة صحيحة، والرِّبح للطِّفل.
وأمَّا بالنسبة لاستحباب الزَّكاة، فنفيها عَنِ الوليِّ واضح، وإن قصد الشِّراء لنفسه؛ لِعدم تعلُّق التِجارة بماله، وعليه فالرِّبح ليس له.
ويدلُّ عليه أيضاً موثَّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُ الْيَتِيمِ، وَيَتَّجِرُ بِهِ، أَيَضْمَنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا، لَعَمْرِي، لَا أَجْمَعُ عَلَيْهِ خَصْلَتَيْنِ الضَّمَانَ وَالزَّكاة»([1]).
وأمَّا استحبابها بالنسبة للطِّفل، فقد ذهب إلى ذلك المصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي البيان، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرِّوضة، والمحقِّق الكركي (رحمه الله)، باعتبار أنَّه يستحبُّ إخراج الزَّكاة من مال الطِّفل في كلِّ موضع يقع الشِّراء له، وإن لم يقعِ الشِّراء له من أوَّل الأمر، بل صار له لاحقاً كما فيما نحن فيه.
ولكنَّ مقتضى الإنصاف: ما ذهب إليه الأكثر من عدم استحباب الزَّكاة في هذه الصُّورة؛ لعدم قصد التَّكسُّب له، وإن صرف الشَّارع الرِّبح له، وسيأتي إن شاء الله تعالى اشتراط ذلك في زكاة التِّجارة.
وبالجملة، فإنَّ ما دلَّ على الاستحباب منصرف إلى ما لو كان المقصود بالتِّجارة وقوعها له.
أمَّا لو وقعت له لا عن قصد كما فيما نحن فيه فهو خارج عن منصرف أدلَّتها، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإنِ اشترى في الذمَّة فهو له، ويضمن المال، ويأثم(1)
(1) إذا اشترى الوليُّ بالذِّمَّة، فالمعروف بين الأعلام أنَّه غاصب ومأثوم؛ لوقوع الشراء بالاستيلاء على مال ابنه الصغير، لا بعنوان الولاية عن ابنه، فيكون غاصباً، فيستحقُّ العقاب.
ويترتِّب عليه الضَّمان، وهذا لا إشكال فيه عند الأعلام، وأمَّا أنَّ الرِّبح للوليِّ إذا اشترى بالذِّمَّة فهو على القاعدة؛ لأنَّ الشِّراء لم يقع بعين مال الطِّفل، وإن كان قد أضمر التَّأدية من مال الطِّفل حال الشِّراء، فإنَّ إضماره ذلك لا يقتضي تبعيَّة الملك له.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ انتفتِ الولاية، واشترى في الذمَّةِ، فهو له (أيضاً) (2)
(2) يظهر حكمه ممَّا تقدَّم فيما لو كان المشتري في الذِّمَّة هو الوليّ، كما أنَّه ضامن؛ لأنَّه غاصب ومأثوم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإنِ اشترى بالعين، وأجاز الوليُّ، فالرِّبح لليتيم(3)
(3) إن كان المشتري هو غير الوليِّ، وقدِ اشترى بعين مال الطِّفل بعنوان أنَّه له لا للطِّفل، وكان فيه ربح، فالمعروف بين الأعلام أنَّ هذه المعاملة فضوليَّة لا تدخل في مُلْك الطِّفل حتَّى يجيز الوليُّ، وهل يجب عليه الإجازة؟
ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا تجب الإجازة عليه؛ لأصالة براءة ذمَّته من وجوب التَّكسُّب عليه.
وعن جماعة من الأعلام أنَّه تجب الإجازة على الوليِّ فيما لو ظهر الرِّبح؛ لأنَّ ترك الإجازة إضرار به عرفاً، فلا يقاس بترك الاكتساب له، كي يقال: إنَّ الأصل براءة ذمَّته، بل هو بشهادة العرف تضييع للرِّبح الحاصل لمُلْكه بفعل الغير، وهذا هو مقتضى الإنصاف.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإلاَّ فالبيع باطل(1)
(1) إذا لم يجزِ الوليُّ، فهل تبطل المعاملة؟ قد يقال: إنَّ مقتضى القاعدة هو البطلان؛ لأنَّه باع مال الغير بدون إذن وليِّه شرعاً.
والإنصاف: أنَّ القاعدة، وإنِ اقتضت بطلان بيع مال الغير بدون إذن صاحبه أو إجازته أو إجازة وليِّه، إلاَّ أن الرِّوايات المتقدِّمة دلت هنا بالخصوص على أنَّ الرِّبح لليتيم في صورة كون المعاملة صادرةً من غير الوليِّ المستلزم لإمضاء المعاملات المتعلقة بماله الموجبة لحصول الرِّبح شرعاً، من غير توقُّفها على إجازة أحد، ولا بأس بالالتزام بذلك لأجل النَّصِّ، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 2 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح5.
|