(1) يقع الكلام في أمرين:
الأوّل: في حرمة لُبْس الذهب للرجل تكليفاً.
الثاني: في حرمة لُبْسه وضعاً، أي بطلان الصّلاة فيه.
أمّا الأمر الأوّل: فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، حرمته على الرّجل، وفي الجواهر: «إجماعاً أو ضرورةً»، وفي الحدائق: «أمَّا تحريم لُبْس الذّهب على الرّجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب...».
وبالجملة، فالمسألة متسالم عليها بين الأعلام، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، ومع ذلك يدلّ عليها جملة من الأخبار بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله N «قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله C لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ N: لَا تَخَتَّمْ بِالذَّهَبِ، فَإِنَّه زِينَتُكَ فِي الآخِرَةِ»[i]f351، ولا إشكال في سند الرواية إلاَّ من جهة غالب بن عثمان، فإنْ قلنا: باتحاده مع غالب بن عثمان المنقري فيكون ثقة، وإلاّ فهو غير موثَّق، كما هو الأقرب، لبُعد الاتحاد، كما لا يخفى، إذ لا دليل عليه.
ومنها: رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله N «قال: لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب»[ii]f352، وهي ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن سليمان، وبجهالة جراح المدائني.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه J «أنّ رسول الله C نهاهم عن سبع، منها التختُّم بالذهب»[iii]f353، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر N «قال: سألته عن الرَّجل، هل يصلح له أن يتختَّم بالذّهب؟ قال: لا»[iv]f354، ورواها في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن، ولكنّها بهذا السند ضعيفة، لأنّ عبد الله بن الحسن مهمل، كما عرفت في أكثر من مناسبة.
ويبقى الكلام في دلالتها؛ فإنْ كان قوله N: «لا» هو نهي عن التختّم به فيدلّ على الحرمة، وأمّا إن كان المراد من قوله N «لا»، أي: لا يصلح، كما لا يبعد فلا يُستفاد منها الحرمة، لأنّ كلمة (لا يصلح) ظاهرة في الكراهة.
وكذا غيرها من الروايات الكثيرة، والتي سيأتي بعضها إن شاء الله تعالى في الأمر الثاني. وأيضاً قد ورد من طرق العامّة عن النبي C أنّه قال مشيراً إلى الذهب والحرير «هذان محرَّمان على ذكور أمتي، دون إناثهم»[v]f355، وهي ضعيفة بالإرسال، وبغيره أيضاً.
ثمّ إنّه قد يظهر من بعض الروايات جواز لُبْس الذّهب، كما في رواية ابن القداح عن أبي عبد الله N «أنَّ النبي C تختَّم في يساره بخاتم من ذهب، ثمَّ خرج على الناس، فطفق الناس ينظرون إليه، فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتّى رجع إلى البيت فرمى به فما لَبِسه»[vi]f356.
وفيها: أنّها ضعيفة بسهل بن زياد، وبعدم وثاقة جعفر بن محمد الأشعري، ورُويت بسندٍ آخر عن أبي عبد الله N، وهي أيضاً ضعيفة بحاتم بن إسماعيل العامي، فإنّه غير موثّق، وباشتراك المثنّى بين الثقة وغيره، ولا ممّيز.
هذا، وقد ذكر السّيد أبو القاسم الخوئي (قدس الله نفسه الزكيّة) أنّها قاصرة من حيث الدّلالة أيضاً، «إذ غاية ما تدلّ عليه عدم ثبوت التحريم في ذلك الزمان الذي لَبِسه C، فمن الجائز ثبوت التحريم بعده، أمّا في زمانه C، أو زمن الأئمة S...».
أقول: لو لم يكن محرّماً في زمان لُبْسه له فلماذا نظر الناس إليه نظرة استهجان وتعجّب!؟، إذ كان لُبْس الذهب قبل تحريمه أمراً متعارفاً عند الناس، ولا سيّما لُبْس الخاتم.
والإنصاف: أنّ هذه الرواية على فرض تماميّة سندها يُردّ علمها إلى أهلها، للتسالم على حرمته للرجال، والله العالم.
الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أيضاً عدم الصحّة إذا صلّى فيه الرّجل لابساً له، وفي الجواهر: «لا يجوز لُبْس الذّهب للرّجل إجماعاً أو ضرورةً، ولا الصّلاة في السّاتر منه، بلا خلاف أجده، بل ولا فيما تتمّ الصّلاة به منه، وإن لم يقع به السّتر فعلاً...»، وفي الحدائق: «وإنّما الخلاف في بطلان الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه كالخاتم، ونحوه، فذهب الأكثر إلى البطلان، وظاهر المحقّق في المعتبر العدم، حيث قال: لو صلّى، وفي يده خاتم من ذهب، ففي فساد الصّلاة تردّد، أقربه أنّها لا تبطل، لِمَا قلناه في الخاتم المغصوب، ومنشأ التردّد رواية موسى بن أكيل النميري...»، إلى أن قال صاحب الحدائق: «وأشار بقوله: «لِما قلناه في الخاتم المغصوب» إلى ما قدَّمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب، من أنّ النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصّلاة، ولا عن شرط من شروطها...».
أقول: يدل على البطلان بعض الأخبار:
منها: موثّقة عمّار بن موسى، وهي العمدة في الاستدلال للبطلان عن أبي عبد الله N في حديث «قال: لا يلبس الرّجل الذهب، ولا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة»[vii]f357.
وقد يناقش في دلالتها على الحرمة، حيث إنّ ما فيها من التعليل ربما يُوهِن ظهورها في ذلك، ولكنّ الظاهر أنّ هذه المناقشة غير واردة، لأنّ المراد من الذيل والله العالم أنّ الله سبحانه وتعالى لَمَّا خصّ لباس الرجال إياه في الجنّة فحرّم عليهم لُبْسه في الدنيا.
ومنها: رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله N «في الحديد أنَّه حلية أهل النار، والذهب أنه حلية أهل الجنة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لُبْسه، والصّلاة فيه»[viii]f358، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.
[i] الوسائل باب 30 من أبواب لباس المصلّي ح4.
[ii] الوسائل باب 30 من أبواب لباس المصلّي ح5.
[iii] الوسائل باب 16 من أبواب لباس المصلّي ح6.
[iv] الوسائل باب 31 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[v] الوسائل باب 31 من أبواب لباس المصلّي ح3.
[vi] الوسائل باب2 من أبواب مكان المصلي ح1.
[vii] الوسائل باب2 من أبواب مكان المصلي ح2.
[viii] الوسائل باب 38 من أبواب لباس المصلي ح7.
|