قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وهي الأرض التي باد أهلها، أو انجلوا عنها، أو سلّموها بغير قتال.
المعروف بين الأعلام أنَّ للأنفال لها مصاديق كثيرة:
منها: الأرض الَّتي تُملك من الكفَّار من غير قتالٍ، بحيث لم يُوجف(*) عليها بخَيل ولا ركاب، سواء انجلى عنها أهلها، أو سلّموها للمُسلمين طوعاً وهم فيها.
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل الظَّاهر أنَّه إجماع...)([1]).
وأمَّا الأرض الَّتي باد أهلها أي هلكوا وماتوا ، فسيأتي الكلام عنها إن شاء اﷲ تعالى عند الكلام عن الأرض الموات.
أقول: تسالم الأعلام على أنَّ الأرض الَّتي تُملك من الكفَّار بغير قتالٍ هي من الأنفال.
ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم بينهم الرِّوايات الكثيرة:
منها: حسنة حفص بن البُختريّ عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: الأنفال ما لم يُوجف عليه بخَيْلٍ ولا ركابٍ، أو قومٍ صالحوا، أو قومٍ أُعطوا بأيديهم، وكلُّ أرضٍ خربةٍ، وبطون الأودية، فهو لرسول اﷲ (صلّى الله عليه وآله)، وهو للإِمام مِن بعده يضعه حيث يشاء)([2]).
ومنها: حسنة معاوية بن وهب (قَاْل: قلتُ لأبي عبد اﷲ (عليه السلام): السّريّة يبعثها الإِمام فيصيبون غنائم، كيف يُقسّم؟ قَاْل: إنْ قاتلوا عليها مع أميرٍ أمَّره الإِمامُ عليهم أخرج منها الخُمُس ﷲ وللرَّسول، وقسَّم بينهم ثلاثة أخماسٍ، وإنْ لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلُّ ما غنموا للإِمام يجعله حيث أحبّ)([3]).
ومنها: موثَّقة زرارة عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: قلتُ له: ما يقول اﷲ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ)؟ وهي كلُّ أرضٍ
جلا أهلُها من غير أنْ يُحمل عليها بخَيلٍ ولا رجالٍ ولا ركابٍ، فهي نفلٌ ﷲ وللرَّسول)([4]).
ومنها: موثَّقة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (أنَّه سمعه يقول: إنَّ الأنفال ما كان من أرضٍ لم يكن فيها هراقةُ دمٍ، أو قوم صُولحوا وأُعطوا بأيديهم، وما كان من أرضٍ خربةٍ، أو بطونِ أوديةٍ، فهذا كلُّه مِنَ الفَيْء والأنفال ﷲ وللرَّسول، فما كان ﷲ فهو للرَّسول يضعه حيث يُحبّ)([5]).
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قَاْل: سألتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) عَنِ الأنفال؟ فقال: هي القُرى الَّتي قد خَرِبت وانجلى أهلها فهي ﷲ وللرَّسول، وما كان للمُلوك فهو للإِمام، وما كان من الأرض الخربة (من أرض الجزية) لم يُوجف عليه بخَيلٍ ولا ركابٍ، وكلُّ أرضٍ لا ربّ لها، والمعادن منها، ومَنْ مات وليس له مولى فماله من الأنفال)([6]).
ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى الطَّويلة، حيث ورد فيها: (والأنفال كلُّ أرضٍ خربةٍ قد باد أهلُها، وكلُّ أرضٍ لم يُوجف عليها بخَيلٍ ولا ركابٍ، ولكن صالحوا صلحاً، وأُعطوا بأيديهم على غير قتالٍ، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلُّ أرضٍ ميتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه
الغصب؛ لأنّ الغصب كلّه مردود، وهو وارث مَنْ لا وارث له، يعول مَنْ لا حيلة له...)([7])، وهي ضعيفة بالإرسال، إلى غير ذلك من الرِّوايات المستفيضة جدّاً.
ثمَّ إنَّه يظهر من بعض الرِّوايات المتقدِّمة أنَّ كلّ ما لم يُوجف عليه بخَيل ولا رِكاب هو من الأنفال، أرضاً كان أو غيرها.
مثل حسنة حفص بن البُختريّ، حيث ورد فيها: (الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب...)([8])، فإنَّ (ما الموصوليّة) تشمل الأرض، وغيرها.
وكذا حسنة معاوية بن وهب المتقدِّمة أيضاً، حيث ورد في الذَّيل: (وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلُّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ)([9])، فإنَّ لفظة (كلّ) للعموم، فتشمل الأرض وغيرها.
وأمَّا باقي الرِّوايات المتقدِّمة، فقد يُقال: إنَّها ظاهرةٌ في اختصاص ذلك بالأراضي، فلا تشمل المنقول؛ وذلك لأنَّها واردة في مقام الحَصْر والتَّحديد، ففي بعضها: (أنَّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دمٍ)، وفي بعضها الآخر: (وهي كلُّ أرضٍ جلا أهلها من غير أن يُحمل عليها بخَيل...)، وفي ثالث: (والأنفال كلُّ أرضٍ خربة قد باد أهلها، وكلُّ أرض لم يوجب عليها بخَيل ولا ركاب...)،
وفي رابع: (وما كان من أرض الخربة لم يُوجف عليه بخَيلٍ ولا رِكابٍ...)، وهكذا.
ويُفهم منها حيث إنَّها واردةٌ في مقام التَّحديد أنَّ غير الأرض ليس من الأنفال.
وفيه: أنَّ هذا المفهوم بناءً على ثبوته هو من الظُّهور الإطلاقيّ، وحسنة معاوية بن وهب تدلُّ بالعموم على شمول غير الأرض، والعموم مقدَّم على الإطلاق؛ لأنَّه يصلح أن يكون قرينةً على المراد من الإطلاق؛ لأنَّ دلالته بالوضع، بخلاف الإطلاق، فإنَّه بمقدِّمات الحِكمة، كما هو معلوم في علم الأصول.
والخلاصة: أنَّ كلَّ ما لم يُوجف عليه بخَيلٍ ولا رِكابٍ يشمل الأرض وغيرها من المنقول.
([1]) الجواهر: ج16، ص116.
([2]) الوسائل باب1 من أبواب الأنفال ح1.
([3]) الوسائل باب1 من أبواب الأنفال ح3.
([4]) الوسائل باب1 من أبواب الأنفال ح9.
([5]) الوسائل باب1 من أبواب الأنفال ح10.
([6]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح20.
([7]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح4.
([8]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح1.
([9]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح3.
|