إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمَّا القول الأوَّل بأنَّ الخُمُس بأجمعه مباح للشِّيعة وساقط عنهم، فلا يجب إخراجه : فقد يُستدلّ له بالرِّوايات الكثيرة الظَّاهرة أو الصَّريحة في تحليل جميع الخمس:
منها: رواية حكيم مؤذِّن بني عيس عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: قلتُ له: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) ]الأنفال: 41]، قال: هي، واﷲ! الإِفادة يوماً بيوم، إلاَّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍّ ليزكوا)([1])، وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وجهالة حكيم مؤذّن بن عيس.
ومنها: رواية الحارث بن المغيرة النَّصريّ عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قال: قلتُ له: إنَّ لنا أموالاً من غلاَّت وتجارات، ونحو ذلك، وقد علمت أنَّ لك فيها حقّاً، قَاْل: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاَّ لتطيب ولادتهم، وكلُّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم في حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب)([2])، وهي ضعيفة بجهالة أبي عمارة، فالتَّعبير عنها بالصَّحيحة كما عن كثير من الأعلام في غير محلِّه.
ومنها: روايته الأُخرى (قَاْل: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده، فإذا نجيَّة قدِ استأذن عليه، فأذن له، فدخل فجثا على ركبتَيْه، ثمَّ قال: جُعلت فداك! إنِّي أُرِيد أنْ أسألك عن مسألة، واﷲ! ما أُرِيد بها إلاَّ فكاك رقبتي من النَّار، فكأنَّه رقّ له، فاستوى جالساً، فقال: يا نجيّة! سلني، فلا تسألني عن شيء إلاَّ أخبرتك به، قَاْل: جُعلت فداك! ما تقول في فلان وفلان؟ قَاْل: يا نجيّة! إنَّ لنا الخُمُس في كتاب اﷲ، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما واﷲ! أوَّل مَنْ ظلمنا حقَّنا في كتاب اﷲ إلى أن قال: اللَّهمّ إنَّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا...)([3])، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة جعفر بن محمَّد بن حكيم، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من مشايخه المباشرين، فالتَّعبير عنها بالموثَّقة أو المعتبرة في غير محلِّه.
ومنها: رواية يونس بن يعقوب (قَاْل: كنتُ عند أبي عبد اﷲ (عليه السلام)، فدخل عليه رجل من القمَّاطِين، فقال: جُعلت فداك! تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقَّك فيها ثابت، وأنَّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد اﷲ (عليه السلام): ما أنصفناكم إنْ كلّفناكم ذلك اليوم)([4])، وهي ضعيفة بطريق الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه اﷲ) بمحمَّد بن سنان، كما أنَّها ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) بجهالة الحكم بن مسكين، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من مشايخه المباشرين.
ومنها: صحيحة الفضلاء أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قَاْل: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): هلك النَّاس في بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم يُؤدُّوا إلينا حقَّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ)([5]).
ورواها الشيخ الصدوق (رحمه اﷲ) في العلل بطريق صحيح، إلاّ أنّه قال: (وأبناءهم)([6])، وهو الأصحّ.
ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار قال: (قرأت في كتابٍ لأبي جعفر (عليه السلام) من رجل يسأله: أن يجعله في حلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: مَنْ أعوزه شيء من حقّي فهو في حلٍّ)([7]).
وفيه: أنَّ التَّحليل مخصوص بحقِّه (عليه السلام)، أي حصّته، فلا يشمل سهم السَّادة الكرام، كما أنَّ التَّحليل مختصٌّ بالمحتاجين والمعوزين لا مطلق الشِّيعة، فهو إجازة لصنف خاصّ في صرف حصّته (عليه السلام) .
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (أنَّه قَاْل: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حلَّلهم مِنَ الخُمُس يعني: الشِّيعة ليطيب مولدهم)([8]).
ومنها: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث (قال: إنَّ اﷲ جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ]الأنفال: 41]، فنحن أصحاب الخُمُس والفيء، وقد حرَّمناه على جميع النَّاس ما خلا شيعتنا، واﷲ يا أبا حمزة! ما من أرضٍ تُفتح، ولا خُمسٍ يُخمَّس، فيُضرب على شيء منه، إلاَّ كان حراماً على مَنْ يصيبه فرجاً كان أو مالاً...)([9]).
ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن العبَّاس، قال النَّجاشيّ: (عليّ بن العبَّاس الجراذينيّ (الخراذينيّ) الرَّازي، رُمي بالغلو، وغُمز عليه، ضعيف جدّاً...)، وبجهالة الحسن بن عبد الرحمان.
كما أنَّها دلَّت على تحليل ثلاثة أسهم أي نصف الخمس لمطلق الشِّيعة، ولم تدلّ على تحليل تمام الخُمُس.
ومنها: صحيح أبي خديجة سالم بن مكرم الجمَّال عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قال: قال رجل وأنا حاضر : حلِّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اﷲ (عليه السلام)، فقال له رجلٌ: ليس يسألك أنْ يعترض الطَّريق، إنَّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأةً يتزوّجها، أو ميراثاً يُصيبه، أو تجارةً، أو شيئاً أُعطِيَه، فقال: هذا لشيعتنا حلالٌ، الشَّاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يُولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما واﷲ! لا يحلُّ إلاَّ لِمَنْ أحللنا له، ولا واﷲ! ما أعطينا أحداً ذمّة، (وما عندنا لأحد عهد)، ولا لأحد عندنا ميثاق)([10]).
وهي صحيحة؛ لأنَّ سالم بن مكرم، المكنَّى بأبي خديجة تارةً، وبأبي سلمة أُخرى، وثَّقه النَّجاشي صريحاً، وهو ليس سالم بن أبي سلمة الكنديّ غير الموثَّق.
وبالجملة، فإنَّ التَّعبير عَنِ الرِّواية بالخبر كما عن كثير من الأعلام المُشعِر بالضَّعف في غير محلِّه.
([1]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح8، كذا في الأصل، وفي المخطوط (بني عيس)، وفي الكافي: حكيم مؤذِّن ابن عيسى (هامش المخطوط)، وفي المصدر: حكيم مؤذِّن بني عبس..
([2]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح9.
([3]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح14.
([4]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح6.
([5]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح1.
([6]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ذيل ح1.
([7]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح2.
([8]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح15.
([9]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح19.
([10]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح4.
|