قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وفي اعتبار فَقْر اليتيم نظرٌ، ولم يعتبره الشَّيخ وابن إدريس.
ذهب جماعة مِنَ الأعلام ولعلَّه المشهور بينهم إلى اعتبار الفَقْر في اليتيم والمراد باليتيم الطِّفل الَّذي لا أب له.
وقدِ استُدلّ لذلك بجملة مِنَ الأدلَّة:
منها: مرسلة حمَّاد المتقدِّمة (قال: وله يعني: للإِمام نصف الخُمُس كملاً، ونصف الخُمُس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يُقسَّم بينهم على الكتاب والسُّنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإنْ فضل عنهم شيءٌ فهو للوالي، فإنْ عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أنْ يُنفِق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنَّما صار عليه أن يُموّنهم لأنَّ له ما فضل عنهم)([1]).
ومنها: مرفوعة أحمد بن محمَّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث حيث ورد في الذَّيل: (فهو يُعطيهم على قدر كفايتهم، فإنْ فضل شيءٌ فهو له، وإنْ نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النُّقصان)([2])، حيث إنَّ المفهوم منهما اعتبار الفَقْر.
ولكنَّك عرفت أنَّ الأُولى: ضعيفة بالإرسال.
والثَّانية: ضعيفة بالرَّفع، وبالإرسال.
مع أنَّ دلالتهما على المطلب لا تخلو من خدشة.
ومنها: أنَّه لو يكن له مال، وكان له أب لم يستحقّ شيئاً قطعاً، فإذا كان له مال كان بالحرمان أَولى؛ إذ المال المملوك أنفع له من نفقة الأب.
وفيه: أنَّ هذا اعتبار محضٌ، لا يصلح للاستدلال.
هذا، وقد ذهب الشَّيخ (رحمه اﷲ) في المبسوط، وابن إدريس (رحمه اﷲ) في السَّرائر إلى عدم اعتبار الفَقْر في اليتيم، فيُعطى وإن كان غنيّاً.
وهو مقتضى الإنصاف عندنا؛ لإطلاق الأدلَّة، ومقابلة اليتامى بالمساكين كتاباً وسُنّةً، فإنَّه لو اعتُبر الفَقْر في اليتيم لم يكن قسماً برأسه.
وأيضاً ليس الخُمُس مِنَ الصَّدقات حتَّى يختصّ بالفقير، بل هو من حقّ الرِّئاسة والإمارة، ولذا يأخذه الإمام (عليه السلام) مع غناه.
والخلاصة: أنَّه لا يُعتبر الفقر في اليتيم، وإن كان الأحوط الأولى اعتباره، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وكذا في اعتبار تعميم الأصناف.
اِختلف الأعلام في وجوب بَسْط الخُمُس الذي هو للسادة الكرام من بني هاشم على الأصناف الثَّلاثة: اليتامى والمساكين وابن السَّبيل، وعدمه بعد اتِّفاقهم على اختصاص سهم اﷲ تعالى، ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، وذي القربى بالإمام (عليه السلام) ؛ فالمشهور بين الأعلام: أنّه لا يجب البسط على الأصناف الثلاثة، بل يجوز أن يُعطى الخمس الذي هو لغير الإمام (عليه السلام) لطائفة مِنَ الطَّوائف الثَّلاث.
وفي الجواهر: (بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، خصوصاً بين المتأخِّرين، بل نُسِب إلى الفاضلَيْن، ومَنْ تأخَّر عنهما)([3]).
وحُكي عن الشَّيخ في المبسوط، وأبي الصَّلاح في الكافي، وصاحب الحدائق (رحمهم اﷲ) وجوب البَسْط على الأصناف الثَّلاثة.
وُحكي أيضاً عن جمع مِنَ المتأخِّرين الميل إليه.
وأمَّا المصنِّف فقد تنظَّر هنا، حيث قال: (وفي اعتبار فَقْر اليتيم نظرٌ... وكذا في اعتبار تعميم الأصناف...).
وقدِ استُدلّ للقول بوجوب البَسْط ببعض الأدلَّة:
منها: ظاهر الآية الشَّريفة (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) [الأنفال: 41].
فإنَّ اللاَّم للملك، أو الاختصاص، والعطف بالواو يقتضي التَّشريك في الحكم. ولو كان المراد باللَّام في الآية الشَّريفة مجرَّد بيان المصرف الَّذي يقتضي جواز أنْ يُخصّ بالخُمُس طائفةٌ واحدةٌ من الطَّوائف الثلاث كما في آية الزَّكاة الَّتي هي لبيان المصرف لا التَّمليك لجاز صرف مجموع الخُمُس حتَّى سهم الإمام (عليه السلام) أيضاً على إحدى الطَّوائف الثَّلاث، مع أنَّه معلوم العدم؛ إذ يجب دَفْع سهم اﷲ تعالى، وسهم رسوله (صلّى الله عليه وآله)، وسهم ذي القربى للإمام (عليه السلام)، ولا يجوز صرفه في غيره.
وفيه: ما سيأتي إن شاء اﷲ تعالى من أنَّ اللاَّم، وإن كانت ظاهرةً في الملك، أو الاختصاص، إلاَّ أنَّها محمولةٌ على إرادة بيان المصرف؛ للقرينة، كما حُملت آية الزَّكاة على بيان المصرف؛ للقرينة.
ومنها: التَّأسّي بفعل النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله).
وفيه: أنَّه لو فُرِض ثبوت ذلك، إلاَّ أنَّ فعل النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)مجملٌ، فهو أعمّ من الوجوب، والقدر المتيقّن منه هو الاستحباب.
ومنها: مرسلة حمَّاد، ومرفوعة أحمد بن محمَّد المتقدِّمتان، فإنَّهما صريحتان في الَّدلالة على قسمة الخُمُس ستَّة أقسام.
وفيهما أوَّلاً: أنَّهما ضعيفتان، كما عرفت سابقاً.
وثانياً: مع قطع النَّظر عن ذلك، فإنَّه يُحتمل حملهما على الاستحباب، لا وجوب البَسْط على الأقسام الستة.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم وجوب البَسْط، وأنَّه يجوز أنْ يُخصّ الخُمُس بطائفة واحدة من الطَّوائف الثَّلاث كما هو المشهور، وهو مقتضى الإنصاف عندنا فقدِ استدلّ ببعض الأدلَّة أيضاً:
منها: السِّيرة المستمرّة قديماً وحديثاً على عدم البَسْط، ولم يظهر من عبارة الشَّيخ (رحمه اﷲ) في المبسوط وأبي الصَّلاح الحلبي (رحمه اﷲ) الخلاف في ذلك، فضلاً عن التصريح به.
ومنها: أنَّ من تلك الطَّوائف الثَّلاث ابن السَّبيل، ومن المعلوم أنَّه نادر الوجود جدّاً، فلو وجب البَسْط على الأصناف الثَّلاثة للزم ادِّخار حصَّته حتَّى يُوجد، فيكون سهمه معطّلاً.
وهذا الأمر مع السِّيرة المتقدِّمة قرينةٌ قويّةٌ على حَمْل اللاَّم في الآية الكريمة على بيان المصرف، لا التَّمليك.
([1]) الوسائل باب 3 من أبواب قِسْمة الخُمُس ح1.
([2]) الوسائل باب 3 من أبواب قِسْمة الخُمُس ح2.
([3]) الجواهر: ج16، ص108.
|