قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وكذا العنبر المأخوذ بالغوص. ولو كان بغير غوص، فالأقرب: أنَّه معدِن.
قال في القاموس: (العنبر من الطِّيب: روث دابة بحريّة، أو نبع عين فيه...)([1]).
وفي السَّرائر عن كتاب الحيوان للجاحظ أنَّه قال: (العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكل منه شيء إلاَّ مات، ولا ينقره طائر بمنقاره إلاَّ نصل فيه منقاره، وإذا وضع رجلَيْه عليه نصلت أظفاره...)([2]).
وحكى المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان عن أهل الطُّبّ: (أنَّهم قالوا: هو جماجم يخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال...)([3]).
وفي الحدائق عن كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان: (والعنبر المشموم، قيل: إنَّه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابّه لدسومته، فيقذفه رجيعاً، فيطفو على الماء، فيُلقيه الرِّيح إلى السَّاحل...)([4]).
إذا عرفت ذلك، فنقول: لا إشكال في وجوب الخُمُس في العنبر في الجملة.
وفي المدارك: (وقد أجمع الأصحاب على وجوب الخُمُس في العنبر...)([5]).
وفي الحدائق: (لا ريب في وجوب الخُمُس في العنبر، وعليه إجماع الأصحاب...)([6]).
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده...)([7]).
أقول: يدلّ عليه مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام صحيحة الحلبي المتقدِّمة عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: سألت أبا عبد اﷲ (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللُّؤلؤ، فقال: عليه الخُمُس...)([8])، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أن يُؤخذ بالغَوْص أو من وجه الماء أو من السَّاحل.
ثمَّ إنَّه وقع الخلاف بين الأعلام في اعتبار النِّصاب فيه، وفي مقداره: فعن ظاهر النِّهاية والوسيلة والسَّرائر عدم اعتبار النِّصاب فيه، ومال إليه في المدارك والحدائق، واستقربه السّبزواريّ (رحمه اﷲ) في الكفاية؛ وذلك لإطلاق صحيحة الحلبيّ.
وعليه، فيجب الخُمُس في قليله وكثيره.
وعن عزيّة المفيد (رحمه اﷲ): أنَّ له حكم المعادن مطلقاً، فيُعتبر فيه
العشرون ديناراً؛ لأنَّه من المعادن، أو هو مُلحق بها؛ وذلك لأصالة البراءة عن النَّاقص عنه.
وعن كشف الغطاء: أنَّه من الغَوْص أو هو بحكمه مطلقاً.
وعن جماعة كثيرة، منهم المصنِّف (رحمه اﷲ): أنَّه إن أُخرج بالغَوْص فله حكمه، وإن أُخذ من وجه الماء أو من السَّاحل كان له حكم المعدِن.
هذه هي الأقوال في المسألة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: قد يُستدل للقول الأوَّل أي أنَّه لا نِصاب فيه بإطلاق صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة.
وفيه: أنَّه إذا أُخذ العنبر بالغَوْص، فيَلحقه حكم الغَوْص بلا إشكال، وقد عرفت أنَّ هناك تسالماً على عدم الخُمُس في الغَوْص إذا لم تبلغ قيمته ديناراً. نعم، إذا أُخذ من وجه الماء، أو من السَّاحل، فلا يَلحقه حكم الغَوْص، وسيأتي ما هو مقتضى الإنصاف فيه.
وأمَّا القول الثَّاني الَّذي هو عن عزيّة المفيد (رحمه اﷲ) من أنّ له حكم المعادن مطلقاً، فيُعتبر فيه العشرون ديناراً.
فيرد عليه أوَّلاً: أنَّه إذا أُخذ بالغوص، فيلحقه حكم الغوص، وإن كان المخرَج معدناً.
وثانياً: أنَّه إذا أُخذ من وجه الماء أو من السَّاحل، فهو وإن لم يكن بحكم الغَوْص، إلاَّ أنَّ إطلاق اسم (المعدن) عليه، فيه ما فيه، بناءً على كون العنبر روث دابَّة بحريّة، كما هو أحد محتملاته، أو بناءً على أنَّه نبات في البحر، فإنَّه على هذا التَّقدير لا يُعدّ من المعادن عرفاً.
وأمَّا القول الثاَّلث والذي هو عن كاشف الغطاء (رحمه اﷲ) من أنَّه من الغوص، أو هو بحكمه مطلقاً : فيرد عليه: أنَّه إذا أُخذ من وجه الماء، أو من السَّاحل، فلا يكون من الغَوْص قطعاً ولا بحكمه.
نعم، إذا أخذ بالغَوْص فيكون له حكمه.
وأمَّا القول الرَّابع والَّذي هو عن جماعة كثيرة، من أنَّه إن أُخرج بالغَوْص فله حكمه، وإن أُخذ من وجه الماء أو من السَّاحل كان له حكم المعدِن : فهو مقتضى الإنصاف؛ لأنّه إن أُخرج بالغَوْص أخذ حكمه بلا إشكال. وأمَّا إذا أُخذ من وجه الماء، أو من السَّاحل، فهو وإن كان على بعض محتملاته ليس من المعدِن بناءً على تفسيره بأنَّه روث دابّة بحريّة أو أنَّه نبات في البحر إلاَّ أنَّ الأَولى إلحاقه بالمعادن؛ وذلك لأنَّنا نعلم بوجوب الخُمُس فيه لصحيحة الحلبي المتقدِّمة، وللتَّسالم بينهم، ونعلم أيضاً بأنَّ العنبر في حدِّ نفسه ليس موضوعاً إضافياً لوجوب الخُمُس، مستقلاًّ عن الأقسام السَّبعة الَّتي انحصر وجوب الخُمُس فيها؛ للتَّسالم بين الأعلام على انحصار ما يجب الخُمُس فيه في السَّبعة، فليس هناك قسم ثامن يجب فيه الخُمُس.
وعليه، فيتعيَّن أن يكون الخُمُس في العنبر المأخوذ من وجه الماء، أو من السَّاحل من أحد الأقسام السَّبعة. وبما أنَّه حتماً ليس من الغنيمة بالمعنى الأخصّ، ولا من الغَوْص ولا من الكنز، ولا من المال المختلط بالحرام، ولا من الأرض التي اشتراها الذِّمّيّ، فيدور الأمر حينئذٍ بين أن يكون من أرباح المكاسب، أو من المعادن.
وبما أنَّ ظاهر صحيحة الحلبيّ والتَّسالم أنَّه ليس مندرجاً في الأرباح، ولذا لم يُشترط فيه الزِّيادة عن مؤونة السَّنة، فالأقرب حينئذٍ: أن يكون مُلحقاً بالمعادن؛ لشبهه بها، حيث إنَّ للعنبر مكاناً مخصوصاً، ولا يُوجد في غير ذلك المكان، مع أنَّه بناءً على كونه في الأصل نبع عين في البحر كما هو أحد محتملاته يكون من المعادن حقيقةً.
وأخذه من وجه الماء أو السَّاحل الَّذي جرت العادة بانتقاله من معدنه إليه لا يُنافي صدق أخذه من معدنه.
ولكنَّ هذا مشروط بأن لا يكون وجه الماء أو السَّاحل أجنبيّاً عن المكان الَّذي يتكوَّن فيه العنبر، بل قريباً منه، بحيث يصدق على الأخذ منه عرفاً أنَّه أخذه من معدنه، بخلاف ما لو قذفه البحر إلى البلاد النَّائية الَّتي لا يصدق على الأخذ منها أنَّه أخذه من معدنه، فهو حينئذٍ من قسم الأرباح والفوائد، ولعلَّ هذا الفرض خارجٌ عن منصرف الصَّحيحة، واﷲ العالم.
([2]) السرائر: ج1، ص485، 486.
([4]) الحدائق: ج12، ص318، 319.
([6]) الحدائق: ج12، ص318.
([8]) الوسائل باب 7 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح1.
|