وما ذكره في المدارك بعد نقله صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة : من أنَّها قاصرةٌ عن إفادة التَّعميم؛ لاختصاصها بغوص اللُّؤلؤ ضعيفٌ جدّاً؛ لأنَّ صحيحة ابن أبي عمير اشتملت على الغَوْص، أي ما يُخرج بالغَوْص، وهو مطلق غير مقيّد بشيءٍ.
ويُؤيِّده: رواية محمَّد بن عليّ المشتملة على ضمّ الياقوت والزّبرجد.
ثمَّ إنَّه وقع الإشكال في تشخيص موضوع ما يجب فيه الخمس في هذا الأمر السَّابع، فإنَّ أغلب الرِّوايات المتقدِّمة وقع التَّعبير فيها عن الخُمُس بالغَوْص، وفي بعضها كروايتَي عمَّار بن مروان، ومحمَّد بن عليّ بما يُخرج من البحر، وبين العنوانَيْن عموم وخصوص من وجه؛ لافتراق الأوَّل بالغَوْص في غير البحار، كالشّطوط والأنهار الكبار، وافتراق الثَّاني بالأخذ من البحر بغير الغَوْص، كما لو أخذه بآلة أو أخذه من وجه الماء.
فهل العِبرة بصدق عنوان (الغَوْص)، ولو في الأنهار والشّطوط، بحيث يرجع الثَّاني إليه، أو عنوان (الإخراج من البحر)، بحيث يرجع الأوَّل إليه، أو العِبرة بصدق كلّ من العنوانين، بحيث يكون كلّ منهما موضوعاً مستقلاًّ للحكم؛ نظراً إلى عدم الموجب للتَّقييد بعد كونهما مثبتَيْن، أو بصدق كليهما أي ما يُخرج من البحر بالغَوْص ؟
أقول: لا موقع لهذا الإشكال بعد كون روايتي عمَّار بن مروان ومحمَّد بن عليّ اللتَيْن موضوعهما ما يُخرج من البحر ضعيفتَيْن.
وعليه، فموضوع ما يجب فيه الخُمُس هو الغَوْص، ولا إشكال حينئذٍ.
نعم، لو قطعنا النَّظر عن ضعف السَّند، فيقع الإشكال حينئذٍ في تشخيص موضوع ما يجب فيه الخُمُس.
وقد ذُكرت عدَّة محاولاتٍ للتّخلُّص من هذا الإشكال:
ونقتصر على واحدة منها: وهي ما ذكره المحقِّق الهمدانيّ (رحمه اﷲ)
في مصباح الفقيه، حيث قال: (إنَّ مقتضى ظواهر كلمات الأصحاب، بل صريحها كظواهر النَّصوص، خصوصاً الأخبار الحاصرة للخُمُس في خمسة عدم كون كلٍّ من العنوانَيْن بحياله موضوعاً مستقلاًّ يُناط به الحكم، فيجب إرجاع بعضها إلى بعض بشيءٍ من الدَّعاوي المزبورة، أو بتقييد كلٍّ من العنوانَيْن بالآخر، والالتزام بأنَّ الخُمُس لا يجب إلَّا في ما أُخرج من البحر بالغَوْص، وهذا أشبه بالقواعد إلى أن قال: مع أنَّ مقتضى الأصل بعد فرض تكافؤ الاحتمالات، وعدم إمكان الالتزام باستقلال كلٍّ من العنوانَيْن بالموضوعيّة، كما تقدَّمت الإشارة إليه هو الرُّجوع في ما عدا القدر المتيقّن وهو مورد تصادق العنوانَيْن إلى أصالة البراءة عن وجوب الخُمُس...)([1]).
وفيه: أنَّ الرِّوايات الحاصرة للخُمُس في خمسة أشياء، وإن كان بعضها معتبراً، إلاَّ أنَّ الحصر فيها ليس حصراً حقيقيّاً، حتَّى لا يمكن أن يكون كلٌّ من العنوانَيْن موضوعاً مستقلاًّ يُناط به الحكم.
ووجه عدم كون الحصر حقيقيّاً: هو أنَّ وجوب الخُمُس في ما يُخرج من البحر بغير الغَوْص مقطوعٌ به، فإن لم يكن بعنوان ما يُخرج من البحر، فلا أقلّ من أن يكون بعنوان كونه من الفوائد والأرباح، ومن الواضح أنَّ شيئاً من العنوانَيْن لم يكن من الخمسة في الرِّوايات الحاصرة، وهي حسنة ابن أبي عمير، ومرسلة حمَّاد بن عيسى، وأمَّا باقي الرِّوايات فلا تدلّ على الحصر.
وعليه، فالحصر في حسنة ابن أبي عمير، وفي مرسلة حمَّاد إضافيّ لا محالة، وإذا كان الأمر كذلك، فالأقرب حينئذٍ مع قطع النَّظر عن ضعف الرِّوايتَيْن اللَّتَيْن موضوعهما ما يُخرج من البحر هو الأخذ بكلٍّ من العنوانَيْن، فيكون كلّ منهما أي الغَوْص وما يُخرج من البحر موضوعاً مستقلاًّ للحكم؛ إذ لا موجب لتقييد كلٍّ منهما بالآخر، بحيث يصبح موضوع الخُمُس هو الَّذي يُخرج من البحر بالغَوْص؛ لعدم التَّنافي بينهما بعد كونهما مثبتَيْن.
ومن هنا، تعرف أنَّه لا معنى للرُّجوع إلى أصل البراءة.
ولكنّ الَّذي يُهوِّن الخطب في المقام: هو ما أشرنا إليه من كون الرِّوايتَيْن الَّلتَيْن موضوعهما ما يُخرج من البحر ضعيفتَيْن سنداً، فيتعيّن حينئذٍ أن يكون الموضوع هو الغَوْص فقط، ويتعيّن أيضاً أن يكون خمس الخارج من البحر إذا لم يصدق عليه عنوان الغَوْص من باب أرباح المكاسب، فيجب بعد استثناء مؤونة سنته، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: إذا بلغ قيمته ديناراً.
هذا هو المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً.
وفي المدارك: (وأمَّا اعتبار النِّصاب فيه فهو موضع وفاق بينهم أيضاً، واختلف كلامهم في تقديره، فذهب الأكثر إلى أنَّه دينار واحد...)([2]).
وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق (رحمه اﷲ): (بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً) : (كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل عن التَّذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا، بل في الثَّاني لا يُعتبر في الزَّائد نصاب إجماعاً، بل لو زاد قليلاً أو كثيراً وجب الخُمُس فيه، كما أنَّه في التَّنقيح: اتَّفق الأصحاب على اعتبار دينار، وفي الحدائق: اتَّفق الأصحاب قديماً وحديثاً على نصاب الدِّينار في الغَوْص...)([3])، انتهى كلام صاحب الجواهر (رحمه اﷲ).
أقول: تسالم الأعلام على عدم الخُمُس في النَّاقص عن الدِّينار. وأمَّا كون النِّصاب ديناراً فصاعداً، فهو المعروف بينهم.
وقد يُستدلّ له برواية محمَّد بن عليّ المتقدِّمة. ولكنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن عليّ، كما عرفت.
وحكى العلاَّمة (رحمه اﷲ) في المختلف عن المفيد (رحمه اﷲ) في المسائل العزيّة: أنَّه جعل نصابه عشرين ديناراً كالمعدِن. ولكن لا دليل عليه.
والأحوط وجوباً دفع الخُمُس إذا بلغ ديناراً.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: دفعةً أو دفعات، أُعرض أوّلاً أو لا.
أقول: يظهر لك الحال هنا ممَّا تقدَّم في المعدِن والكنز؛ لتساوي الجميع في جهة البحث.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وكذا العنبر المأخوذ بالغوص. ولو كان بغير غوص، فالأقرب: أنَّه معدِن.
قال في القاموس: (العنبر من الطِّيب: روث دابة بحريّة، أو نبع عين فيه...)([4]).
وفي السَّرائر عن كتاب الحيوان للجاحظ أنَّه قال: (العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكل منه شيء إلاَّ مات، ولا ينقره طائر بمنقاره إلاَّ نصل فيه منقاره، وإذا وضع رجلَيْه عليه نصلت أظفاره...)([5]).
وحكى المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان عن أهل الطُّبّ: (أنَّهم قالوا: هو جماجم يخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال...)([6]).
وفي الحدائق عن كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان: (والعنبر المشموم، قيل: إنَّه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابّه لدسومته، فيقذفه رجيعاً، فيطفو على الماء، فيُلقيه الرِّيح إلى السَّاحل...)([7]).
([1]) مصباح الفقيه: ج3، ص133.
([5]) السرائر: ج1، ص485، 486.
([7]) الحدائق: ج12، ص318، 319.
|