• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : لباس المصلي / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس184 _لباس المصلي 57 .

الدرس184 _لباس المصلي 57

الناحية الثانية: وهي العمدة في المقام، والتي من خلالها نحكم بصحَّة الصَّلاة في الثوب المشكوك كونه من الحيوان الذي لا يُؤْكل لحمه، بأن يُقال: إنّه قد علمنا بتقيّد الصّلاة بعدم الوقوع في شيء من أفراد ما لا يُؤْكل، فكانت الصَّلاة مقيّدة بهذه الأعدام الخاصّة، فكلّ فرد أُحرز أنّه ممّا لا يُؤْكل فتكون الصَّلاة مقيدة بعدم الوقوع فيه، وكلّ ما شك فيه فقد شك في تقييدٍ زائدٍ يُدفع بأصل البراءة.

وهذا يتوقّف على أمرين:

الأوّل: أنّ النهي المتعلّق بشيء ينحل إلى نواهٍ متعدّدة.

الثاني: القول بجريان البراءة في الأقل والأكثر الإرتباطيين، وقد ذكرنا سابقاً أنّ النهي المتعلّق بشيءٍ ينحلّ إلى نواهٍ متعدّدة، وأنّ البراءة بقسميها الفعليّة والشرعيّة تجري في الأقل والأكثر الإرتباطيين.

وتوضيحه: أمّا الأول: فقد ذكرنا في مبحث دلالة النهي على الدوام، وعدم الدلالة، في علم الأصول، أنّ النهي من حيث المبدأ إذا تعلق بشيء فلا تخلو المفسدة في متعلقه من صور أربع ثبوتيّة:

الأُولى: أن تكون المفسدة قائمة في صِرف الفعل، بحيث يتحقق عصيانه بأوّل وجودٍ للطبيعة ويسقط النهي حينئذٍ عن باقي الأفعال.

الثانية: أن تكون المفسدة قائمة في الأفراد على نحو العموم المجموعي، بمعنى أنّ ارتكاب جميع الأفراد مبغوض، فلا يتحقق عصيانه، إلاّ بارتكاب الجميع.

الثالثة: أن تكون المفسدة قائمة في الأفراد على نحو العموم الاستغراقي، بحيث تكون جميع وجودات الطبيعة مبغوضة، ويكون لكلّ وجودٍ عصيانٌ يخصّه، لقيام المفسدة في كلٍّ منها.

الرابعة: أن تكون المفسدة قائمة بعنوانٍ بسيط يحصّله جميع الأفراد، وهكذا الحال في الأمر المتعلّق بشيءٍ، فإنّ المصلحة في متعلّقه لا تخلو من هذه الصُّورة الأربع، وهذه الصّور الأربع لا يدلّ النهي على أيٍّ منها وضعاً، وكذلك بالنسبة للأمر، فإنّه لا يدلّ على أيٍّ منها وضعاً.

نعم، يفهم العرف من النهي خصوص الصُّورة الثالثة، لأنّ المفسدة قائمةً في كلّ فرد من أفراد الطبيعة المنهي عنها، فينحل النهي عنها إلى نواهٍ متعدّدة، هذا كلّه من حيث المبدأ.

وأمّا من حيث المنتهى فنأتي إلى الأمر أوّلاً، فنقول: إنّ المطلوب لا يخلو إمّا أن يكون كلّ أفرادِ المتعلّق الطوليّة والعرضيّة، أو بعضها المعيّن، أو فرداً واحداً منها.

أمَّا الأوّل: فبما أنّ المكلّف لا يمكن أن يأتي بكل الأفراد، كما في قوله: «صلّ»، فهنا لا يمكن أن يكون مطالباً بكل الأفراد، للزومه التكليف بغير المقدور، باعتبار أنّ الصَّلاة لها عرض عريض، وأفراد كثيرة لا تحصى.

وأما الثاني: فبما أنّ التخصيص بالبعض يحتاج إلى قرينة تدلّ عليه، وهي مفقودة.

وعليه فمقتضى الإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة أن يكون المتعيّن هو الثالث، أي إنّ المطلوب صِرف الوجود، هذا بالنسبة للأمر.

وأمَّا النهي فلا يخلو أيضاً إمّا أن يكون المنهي عنه صِرف الوجود، أو بعض الأفراد المعيّنة، أو كلّها.

أمَّا الأوَّل: فبما أنّ المكلّف لا يمكن أن يرتكب كلّ الأفراد المنهي عنها، كما في قوله: لا تشرب الخمر، وبالتالي فهو مقهور على ترك بعض الأفراد، فيكون نهيه عن صِرف الوجود، أي عن فرد واحد، لَغْويّاً وتحصيلاً للحاصل.

وأما الثاني: فالكلام فيه هو الكلام في الأمر، حيث إنّ التخصيص ببعض الأفراد يحتاج إلى قرينة تدل عليه، وهي مفقودة فيتعيّن الثالث حينئذٍ بالإطلاق، وهو أنّ المنهي عنه كلّ الأفراد على نحو العموم الاستغراقي.

ثمَّ إنّ المائز بين الأوامر والنواهي هو أنّ الأوامر ما كان في متعلّقها مصلحة، وإن كان لسانها لسان النهي، والنواهي ما كان في متعلّقها مفسدة، وإن كان لسانها لسان أمر، وذلك سواء أكانت المصلحة والمفسدة في الفعل أم في الترك.

ومن هنا تعرف أنّ النهي عن لُبْس النجس في الصَّلاة والنهي عمّا لا يُؤْكل لحمه فيها، ونحوهما، ليس نهياً حقيقيّاً ناشئاً عن مفسدة في المتعلّق، بل هو في الواقع وجوب تَرْك لُبْس النجس، وما لا يُؤْكل لحمه، لأنّ في تركه مصلحة، فيتحقّق ملاك الأمر، لا أنّ في فعلها مفسدة.

ومن هنا كانت الرّوايات الواردة فيها إرشاداً إلى أنّ هذه الأمور مانعة من صحَّة الصَّلاة، وإنّما علمنا أنّ في ترك هذه الأمور مصلحة، لا أنّ في فِعْلها مفسدة، من خلال تقييد الصَّلاة بعدمها، حيث فهمنا أنّ المصلحة قائمة في تقييد الصَّلاة بعدمها، ولا توجد مفسدة في تلك الأمور حال الصَّلاة، باعتبار أنّه ليس لُبْس ما لا يُؤْكل، أو النجس في الصَّلاة، من المحرمات في الشريعة الإسلامية.

نعم، الإتيان بالصَّلاة حينئذٍ بقصد الأمر تشريع محرّم، وهذا خارج عن محلّ الكلام.

وعليه، فيكون الأمر متعلقاً بالترك على نحو العموم الاستغراقي فيكون المطلوب مثلاً ترك كلّ فرد من أفراد النجس، أو كلّ فرد من أفراد ما لا يُؤْكل لحمه، لفرض أنّ كلّ فرد منه مانع مستقل، وترك كلّ فرد منها مطلوب كذلك، فهذا هو المفهوم عرفاً من أدلَّة الأمر بالترك، فإنّ العرف يفهم انحلال الأمر بالترك إلى أوامر مستقلّة بعدد الأفراد، بحيث يكون كلّ فرد مانعاً مستقلاً.

الأمر الثاني: وهو جريان البراءة في الأقل والأكثر الإرتباطيين، وذلك لانحلال العلم الإجمالي حكماً.

وتوضيحه: أنَّ التكليف تعلّق بالجامع بين المطلق والمقيّد، أي الماهية المهملة المعرّاة عن جميع الخصوصيات، والشك إنّما هو في متعلّق التكليف على نحو الإطلاق، بمعنى عدم تقييده بشيء من الأجزاء والشرائط، أو على نحو التقييد بذلك.

وعليه، فلا ندري هل المأمور به تسعة أجزاء، أم عشرة مثلاً، فينحل العلم الإجمالي حكماً إلى قدر متيقّن بالتسعة، وشكّ بدوي بالقيد الزائد، وهو العاشر مثلاً، فتجري فيه البراءة.

إن قلت: كما نشك في التقييد بالقيد الزائد كذلك نشك بالإطلاق فيجري الأصلان في كل منهما فيتعارضان فيتساقطان، ويتنجّز العلم الإجمالي.

قلت: إنّ دليل البراءة لمَّا كان امتنانياً من الشارع فهي تجري في التقييد خاصّة، لأنّ الإطلاق توسعة على المكلفين، فرفعه بإجراء البراءة فيه رفع للتوسعة، وهذا خلاف الإمتنان، وهكذا تجري البراءة في التقييد فحسب، لينحل العلم الإجمالي حكماً، لا حقيقة، إلى قدر متيقن بالأقلّ، وشكّ بدوي في الزائد.

إذا عرفت ذلك فنأتي إلى محل البحث، فإذا علمنا أنّ الصَّلاة مشتملة على ما لا يُؤْكل لحمه فقد علمنا بوجود الأمر بالترك، أي تقييدها بعدم الوقوع فيه، وأمّا إذا شككنا في اشتمالها على ما لا يُؤْكل، فنشكّ حينئذٍ في وجود الأمر بالترك زائداً على ما هو المتيقن، أي نشكّ في تقييدها بالعدم، ومقتضى الأصل هو البراءة عن هذا الزائد، لما عرفت من جريان البراءة في الأقل والأكثر الإرتباطيين، ولأجل ذلك نحكم بصحتها.

والخلاصة: هي جواز الصَّلاة في اللباس المشكوك، لا لأجل الأصل الموضوعي، بل لأجل الأصل الحكمي، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=294
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 22-04-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12