• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : لباس المصلي / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس183 _لباس المصلي 56 .

الدرس183 _لباس المصلي 56

ثمَّ إنّه قد يستدلّ لإحراز الموضوع بغير الاستصحاب بالتمسّك بأصالة الحلّ، ذلك أنّ الحيوان الذي أُخِذ منه الجُزء، كالصّوف، يُشكّ في حليّة لحمه وحرمته، فيشمله عموم قوله N في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «قال: كلُّ شيءٍ فيهِ حلالٌ وحرامٌ فهو لكَ حلالٌ أبداً حتَّى تَعْرِفَ الحرامَ منه بعينه فتدَعه»[i]f299، وبمقتضى أصالة الإباحة تحرز حليّة اللحم في ظاهر الشّرع التي هي الموضوع لجواز الصَّلاة فيما أُخِذ منه، فيترتب عليه الأثر.

ولكن يُشكل على التمسّك بأصالة الحلّ هنا بأنّ المراد بما يُؤْكل لحمه، وما لا يُؤْكل الذي هو المانع في الصَّلاة، هو ما كان كذلك بحسب طبعه وذاته في أصل التشريع، لا الحلّيّة والحرمة الفعليتين، لعدم دوران جواز الصَّلاة وعدمه مدارهما، مثلاً يحرم فعلاً لحم ميتة الغنم، مع أنّه تجوز الصَّلاة في صوفها، وكذا تجوز الصَّلاة في صوف الغنم المذكّى، مع أنّه قد يحرم أكل لحمها للضرر مثلاً، كما أنّه لا تجوز الصَّلاة في الوبر المتخذ من الأرنب، مع أنّه قد يحلّ أكل لحم الأرنب للاضطرار، ونحوه.

وبالجملة، فإنّ موضوع الحكم بجواز الصَّلاة في المتخذ من الحيوان المحلل أكله هو الحلّيّة الذاتية، أي ما كان بطبعه حلالاً، لا الحلّيّة الفعليّة.

ومن المعلوم أنّ أصالة الحلّ إنّما تتكفل إثبات الحلّية الفعليّة، وليست ناظرة إلى الحلّيّة الطبيعيّة الذاتيّة، ولا ملازمة بين الأمرين لجواز التفكيك بينهما، كما تقدّم.

والخلاصة: أنّ ما يترتب على هذا الأصل هو الحلّيّة الفعليّة، والموضوع في المقام هو الحلّيّة الذاتيّة، فلا تصلح أصالة الحلّ لإثبات موضوع الجواز، وهكذا الكلام في جانب الحرمة.

ومن هنا لو شككنا في تذكية حيوان من دون أمارة على التذكية، كيد المسلم، أو سوق المسلمين، أو أرضهم، فإنّ مقتضى أصالة عدم التذكية، وإن كان هو عدم جواز أكل لحمه، وعدم جواز الصَّلاة فيه من حيث عدم التذكية ­ لما عرفت سابقاً من أنّ موضوع جواز الأكل، والصَّلاة، هو التذكية ­ إلاّ أنّه لا يترتب عليه عدم جواز الصَّلاة من حيث عدم كونه ممّا لا يُؤْكل لحمه، إذ لا تثبت الحرمة الطبيعية الشأنيّة التي هي الموضوع لعدم الجواز بأصالة عدم التذكية.

والنتيجة إلى هنا: أنه لا يوجد عندنا أصل موضوعي يُحرز به عدم المانع، فلابدّ من الرجوع إلى الأصول الحكميّة.

هذا، وقد استُدلّ على الجواز استناداً إلى الأصل الحكمي من ناحيتين:

الأُولى: التمسّك بأصالة الحلّ في نفس الصَّلاة، كما عن صاحب الحدائق R، بدعوى أنّ للصَّلاة باعتبار الوقوع في المأكول وغيره فردين: حلال وحرام، ويشكّ في هذه الصَّلاة الشخصيّة الواقعة في اللباس المشكوك فيه أنّها من الفرد المحلّل أو المحرّم، فيشمله عموم قوله N: «قال: كلُّ شيءٍ فيهِ حلالٌ وحرامٌ فهو لكَ حلالٌ أبداً حتَّى تَعْرِفَ الحرامَ منه بعينه فتدَعه»، كما في صحيحة ابن سنان المتقدّمة، وغيرها من الأخبار الدّالة على أصالتي الحلّ والإباحة.

ويرد عليه: أنّ المراد من الحرمة المحتملة إن كانت هي الحرمة الذاتيّة فهي مقطوعة العدم، إذ لا ريب أنّ مجرد الصَّلاة فيما يقطع بكونه من غير المأكول ­ فضلاً عن المشكوك ­ ليست بنفسها من المحرمات الإلهيّة، كما لو صلّى فيه بقصد التعليم، ونحوه.

وإن كان المراد من الحرمة المحتملة هي الحرمة التشريعيّة، فلا ريب في عدم التشريع لو صلّى في المشكوك بقصد الرجاء، لاحتمال عدم كونه من غير المأكول، فيصلّي بانياً على تحقيق الحال بعد الفراغ، والإعادة لو انكشف الخلاف، فلا يحتمل الحرمة في مثل ذلك.

نعم، لو صلّى فيه مضيفاً له إلى الله سبحانه وتعالى وبنية جزئية ­ لا رجاءً ­ فهو حرام قطعاً لكونه من إدخال ما لم يعلم أنّه من الدّين في الدّين، وهو تشريع محرّم.

والخلاصة: أنّ الصَّلاة في المشكوك فيه من دون إضافتها إلى الله سبحانه وتعالى محلّلة قطعاً، وكذا مع الإضافة الرجائيّة، وأمّا الإضافة الجزئيّة فهي محرمة قطعاً، فلا شكّ حينئذٍ حتّى يتمسّك بأصالة الحلّ.

نعم، لو أُريد من الحلّ في أخبار أصالة الحلّ الحلّية الوضعية بمعنى النفوذ، وترتّب الأثر مثل «وأحّل الله البيع»، لصحّ التمسّك بأصالة الحلّ، فيقال: الصَّلاة في المشكوك لا يُعلم أنّها ممّا يترتّب عليها الأثر المقصود من الصَّلاة، فهي محكومة بأنّها يترتّب عليها الأثر إلى أن يعلم خلاف ذلك، إلاّ أنّ حمل أصالة الحلّ على هذا المعنى خلاف المقطوع به، بل المراد بها الحلّية التكليفيّة المحضة، بمعنى الترخيص العملي، ونفي البأس عن الفعل مع الشكّ في الحرمة، وإلاّ لو كان المراد بها الحلّية الوضعيّة للزم من ذلك البناء على صحَّة كلّ عقد أو إيقاع يشكّ في ترتب الأثر عليه عند الشارع، وكذا البناء على الصحَّة ظاهراً مع الشكّ في الشّرط الذي لا إشكال في أنّه مجرى لقاعدة الاشتغال، فإذا شكّ في الطهارة من الحدث يجوز له أن يصلّي للشكّ في ترتب الأثر على الصَّلاة المذكورة، وكلّ ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به.

 

[i] الوسائل باب 11 من أبواب لباس المصلّي ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=293
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 21-04-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12