إن قلت: إنَّ قضيّة إطلاق المثل في الصَّحيحة هو اعتبار المماثلة مطلقاً حتَّى في اعتبار كون الذَّهب والفضّة مسكوكَين، فإنَّ كونه كذلك كبلوغه حدّ النِّصاب، من الجهات الدَّاخليّة المعتبرة في الموضوع الَّذي تجب فيه الزَّكاة.
قلتُ: لا بأس بالالتزام بذلك، وإن كان خلاف المشهور.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ صحيحة البزنطيّ مخصِّصة أو مقيِّدة لعموم أو إطلاق الرِّوايات الدَّالّة على ثبوت الخُمُس في مطلق الكنز،
وإن كان من غير النَّقدَيْن، وكذا مخصِّصة أو مقيِّدة لصحيحة زرارة المتقدِّمة.
بل الإنصاف: أنَّ صحيحة البزنطيّ حاكمةٌ على العموم أو الإطلاق الدَّالّ على ثبوت الخُمُس في غير النَّقدَيْن من الكنز، وكذا حاكمة على صحيحة زرارة الدَّالّة على عموم الرّكاز لغير النَّقدَيْن.
وتكون النَّتيجة حينئذٍ: وجوب الخُمُس في خصوص ما كان من الذَّهب والفضّة المسكوكَيْن من الكنوز.
نعم، الأحوط استحباباً ثبوت الخُمُس في سائر أنواع الكنوز، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولا بين الواجدين حتّى العبد والكافر والصَّبيّ.
قال المصنف (رحمه اﷲ) في البيان: (لا فرق بين كون واجده حُرّاً أو عبداً، مكلّفاً أو غيره، مسلماً أو كافراً، ويتناول الإخراج الوليّ)([1]).
أقول: هذا هو مقتضى إطلاق الأدلَّة، حيث لم تُقيَّد بكون المخرج حُرّاً، ولا كونه مكلّفاً، ولا مسلماً.
وعليه، فإذا كان المخرج عبداً كان ما أخرجه له؛ لأنَّه يملك كما تقدَّم وعليه الخُمُس.
وعلى القول الآخر كان ما أخرجه لمولاه، وعليه الخُمُس.
وأمَّا إذا كان المخرج كافراً فهو له، وعليه الخُمُس؛ لما ذكرنا في أكثر من مناسبة من أنَّ الكفَّار مكلَّفون بالفروع كالأصول، ويجوز للحاكم الشَّرعيّ إجبار الكافر على دفع الخُمُس ممَّا أخرجه، وقد تقدَّم وجهه في الزَّكاة.
وأمَّا إذا كان المخرج غير مكلّفٍ، كما لو كان صبيّاً أو مجنوناً، فهو لهما، ويجب على وليّهما إخراج الخُمُس؛ لما هو الصَّحيح عندنا وفاقاً للمشهور من عدم سقوط الخُمُس عن الصَّغير والمجنون، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولا يسقط الخُمُس بكتمانه.
إذ لا موجب للسُّقوط، كما هو المعروف بين الأعلام، قال المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان: (ولا يُعتبر فيه الإظهار، بل يجب الخُمُس وإن كتمه الواجد)([2]).
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ونصابه عشرون ديناراً عيناً أو قيمةً.
في المدارك: (وقد نصّ الأصحاب على أنَّ الخُمُس إنَّما يجب في الكنز إذا بلغ النِّصاب...)([3]).
وفي الجواهر: (ويُعتبر في وجوب الخُمُس فيه النِّصاب بلا خلاف أجده فيه وإن أطلق بعض القدماء بل في الخلاف والغُنية والسَّرائر وظاهر التَّذكرة والمنتهى والمدارك الإجماع عليه، بل في معقد الأربعة المتأخِّرة أنَّه عشرون ديناراً، كما أنَّ معقد الأوَّل بلوغ نصاب يجب في مثله الزَّكاة...)([4]).
والمعروف بينهم أنَّ النِّصاب عشرون ديناراً أو مائتا درهم، وتدلّ عليه: صحيحة البزنطيّ المتقدِّمة عن الرِّضا (عليه السلام) (قَاْل: سألته عمَّا يجب فيه الخُمُس من الكنز، فقال: ما يجب الزَّكاة في مثله ففيه الخُمُس)([5]).
والمراد من المماثلة هي المماثلة في الجنس والمقدار، وحملها على خصوص المماثلة في المقدار فقط خلاف الظَّاهر، كما عرفت.
ويُؤيِّده: مرسلة الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) في المقنعة (قَاْل: سُئِل الرِّضا (عليه السلام) عن مقدار الكنز الَّذي يجب فيه الخُمُس، فقال: ما يجب فيه الزَّكاة من ذلك بعينه ففيه الخُمُس، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزَّكاة فلا خُمُس فيه)([6]).
ولكن ذكرنا سابقاً أنَّه يغلب على الظَّنّ أنَّها ليست روايةً مستقلّةً، بل هي مضمون الصَّحيحة المتقدِّمة نقلها الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) على حسب فهمه لها.
ثمَّ لو فرضنا أنَّها روايةٌ مستقلّةٌ، فهي ضعيفة بالإرسال، فتبقى العُمدة حينئذٍ هي الصَّحيحة.
وحكى صاحب الجواهر (رحمه اﷲ) عن الغنية: (أنَّ النِّصاب دينارٌ فصاعداً)، قال في الجواهر: (لكن في الغُنية أنَّه بلوغ قيمة دينار فصاعداً بدليل الإجماع. وهو غريب، بل دعواه الإجماع عليه أغرب؛ إذ لم نعرف له موافقاً ولا دليلاً)([7]).
أقول: الظَّاهر أنَّ ما نقله صاحب الجواهر (رحمه اﷲ) عن الغنية في غير محلِّه، ولعلَّ منشأ الاشتباه غلط النّسخة المحكيّ عنها هذا القول، وإلاَّ فعبارة الغُنيَة صريحة في خلافه، قال (رحمه اﷲ) في الغنية: (ويُعتبر في الكنوز بلوغ النِّصاب الَّذي تجب فيه الزَّكاة، وفي المأخوذ بالغَوْص بلوغ قيمته ديناراً فصاعداً بدليل الإجماع المتكرِّر)([8]).
وهي موافقة للمشهور؛ إذِ النِّصاب في الغَوْص هو بلوغه ديناراً فصاعداً.
نعم، حكى في المستمسك عن أمالي الصَّدوق (رحمه اﷲ) أنَّ النِّصاب في الكنز دينارٌ واحدٌ، ناسباً له إلى دين الإماميّة.
وأشكل عليه: بأنَّ دليله غير ظاهر كنسبته إلى الإماميّة؛ إذ لم نعرف له موافقاً.
وهو جيِّد.
ثمَّ إنّنا قد ذكرنا سابقاً أنَّ المراد بالمماثلة هي المماثلة بالجنس والمقدار.
وعليه، فيكون الكنز مختصّاً بالذَّهب والفضّة المسكوكَيْن، ونصاب كلٍّ منهما ما هو نصابه في باب الزَّكاة، أي أنَّه يُعتبر بلوغ العشرين ديناراً في الذَّهب، والمائتَيْن درهماً في الفضّة، وعلى ما ذهبنا إليه فيُعتبر بلوغ أربعين ديناراً.
ومن هنا تعرف أنَّ اقتصار بعض الأعلام على ذِكْر العشرين ديناراً فقط، وعدم ذكرهم لنصاب الفضَّة في غير محلِّه.
وأمَّا لو أُريد بالمماثلة هي المماثلةُ بالمقدار والماليّة فقط، كما ذهب إلى ذلك كثير من الأعلام، فيتّجه حينئذٍ ما ذهب إليه المصنِّف (رحمه اﷲ) وغيره من الأعلام من التَّفصيل بين ما إذا كان من أحد النَّقدَيْن، فيُعتبر فيه بلوغ عينه نصابهما، وما كان من غيرهما، فيُعتبر بلوغ قيمته إمَّا عشرين ديناراً أو مائتي درهم، كما هو المشهور.
وأمّا على ما ذهبنا إليه فيُعتبر بلوغها أربعين ديناراً، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: بعد المؤونة.
سنتكلَّم عنها بالتَّفصيل إن شاء اﷲ تعالى قريباً عند الكلام عن خُمُس المعادن عند قول المصنِّف (رحمه اﷲ): (وكلُّ ذلك بعد مؤونة الإخراج والتَّصفية)؛ لأنَّ الحكم فيهما وفي الغَوْص واحدٌ من هذه الجهة.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح2.
([6]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح6.
|