نعم، الأحوط وجوباً: ما ذهب إليه المشهور من تعريف الأقرب فالأقرب، فإذا لم يعرفه فهو للواجد، وعليه خُمُسه، واﷲ العالم.
هذا كلُّه إذا كان الكنز في أرض مملوكة للواجد.
وأمَّا إذا وجده في ملك الغير، فالمعروف بين الأعلام أنَّ حكمه حكم ما لو وجده في الأرض المملوكة للواجد من وجوب تعريف المالك، فإن لم يعرفه فهو له.
وعلى رأي جماعة هو له إن لم يكن عليه أثر الإسلام، وإلاَّ فهو لُقطة.
وحُكي عن الخلاف أنَّه قال: (إذا وجد ركازاً في ملك مسلم أو ذمّيّ فلا يتعرّض له إجماعاً)([1]).
وحمله الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه اﷲ) على إرادة الحكم التَّكليفيّ المحض، وقال: (وحينئذٍ فيمكن أن يكون ما ذكروه من الحكم بوجوب التّعريف بعد حصوله بيد الواجد إمَّا معصيةً أوِ اتِّفاقاً)([2]).
وفيه: أنَّ ظاهر عبارة الشَّيخ (رحمه اﷲ) في الخلاف عدم جواز تملُّكه، بمعنى عدم نفوذه بالإجماع، وحملُ عبارته على مجرّد الحكم التكليفيّ بعيد.
والإنصاف في المسألة: هو ما ذكرناه فيما لو وجده في الأرض المملوكة للواجد طابق النَّعل بالنَّعل.
نعم، الفرق بينهما في الحكم التَّكليفيّ فقط، حيث لا يجوز له التّصرُّف في مال الغير بدون إذنه، فالدُّخول إلى دار الغير أو أرضه بدون إذن صاحبها تصرُّفٌ محرَّم، كما لا يخفى.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: والظَّاهر أنَّ مجرّد قول المعرِّف كافٍ، بلا بيّنة ولا يمين ولا وصف.
الوجه في ذلك: هو أنَّ اليد أمارة على الملك، فإذا ادَّعاه صاحب اليد السَّابقة، فيُدفع إليه بلا حاجة إلى بيِّنة ولا يمين ولا وصف، عملاً بحُجّيّة اليد السَّابقة، بل يُدفع إليه وإن لم يدّعه؛ لأنَّ اليد حُجّة على الملكيّة من دون اعتبار دعوى الملك.
وفيه: ما عرفته سابقاً من أنّ اليد الفعليّة أمارة على الملك، وأمَّا اليد السَّابقة الزَّائلة بالبيع ونحوه فلا اعتبار بها.
نعم، منِ ادَّعى شيئاً، ولا منازع له، دُفع إليه، ويدلّ عليه صريحاً: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام): (قَاْل: قلتُ: عشرة كانوا جلوساً، ووسطهم كيس، فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضاً: ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، وقال واحد منهم:
هو لي، فلمَنْ هو؟ قَاْل: للَّذي ادَّعاه)([3])، وهي وإن كانت ضعيفة في الكافي، ولكنَّها صحيحة بطريق الشيخ (رحمه اﷲ) في التهذيب، ومحمَّد بن الوليد هو من مشايخ عليّ بن إبراهيم، حيث روى عنه في تفسيره في سورة الشُّعراء قوله تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُوم <> ><> وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِين <> ?) ]الشعراء: 218219]، وقد سقط اسمه سهواً عند التّعرُّض لمشايخ عليّ بن إبراهيم في كتابنا (أوضح المقال في علم الدراية والرجال).
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: نعم، لو تداعياه كان لذي اليد بيمينه.
لأنَّ المالك اللاَّحق، أي البائع الَّذي باع الأرض التي وَجد فيها المشتري الكنز، منكرٌ لقول المالك السَّابق، فيكون قول المالك اللاَّحق موافقاً لليد لأنَّ يده أزالت اليد السَّابقة ويكون المالك السَّابق مدَّعياً؛ لمخالفة قوله ليد المالك اللاَّحق، فعليه الإثبات بالبّينة، فإن لم يكن له بيّنة، حلَفَ المنكر صاحب اليد.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ يد البائع ليست حُجّةً؛ لأنَّها يد زائلة؛ لأنَّها أصبحت مع المشتري.
فالإنصاف: هو تساوي الجميع في عدم اليد وقت التّعريف، فيجري عليهم حكم التَّداعي.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو كان مستأجراً، فقولان للشَّيخ.
يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: هل يُلحق المستأجر والمستعير بالمالك في وجوب التّعريف، أم لا؟
الثَّاني: إذا ادَّعى كلٌّ من المالك، والمستأجر أو المستعير، الكنز، فهل يُقدّم قول المالك، أو قول المستأجر والمستعير، أو لا هذا ولا ذاك؟
أمَّا الأمر الأوَّل:
فالمعروف بين الأعلام أنَّه إذا وجد شخص الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب عليه تعريف كلٍّ من المالك والمستأجر والمستعير:
أمَّا وجوب تعريف كلٍّ من المستأجر والمستعير، فلأنَّ يدهما على الكنز بواسطة اليد على الأرض، واليد أمارة على ملكيّة الكنز.
نعم، يدهما ليست أمارةً على ملكيّة العين؛ للعلم بأنَّ الأرض مستأجرةٌ أو مستعارةٌ.
وأمَّا وجوب تعريف المالك، فلأنَّ الأرض ملك له، فيده عليها يدٌ على ما فيها من الكنز.
وفيه: أنَّ الكنز إذا كان عتيقاً وقديماً، بحيث يُعلم موت صاحبه، ولا وارث فعليّ له كما هو الغالب في الكنوز ، فيصدق عليه أنَّه لا مالك له إلاَّ الإمام (عليه السلام)، حيث إنَّه (عليه السلام) وارث مَنْ لا وارث له.
وقد ذكرنا أنَّ الإمام (عليه السلام) قد أباحه للمسلمين، فمَنْ وجده كان له، وعليه خُمُسه، ولا يجب التَّعريف، كما ذكرناه سابقاً فيما لو وجده
في الأرض المباحة أو الأرض المفتوحة عنوةً أو الأراضي العامّة أو الأرض المملوكة المشتراة من صاحبها، أو وجده في أرض الغير بدون إذنه، ونحو ذلك.
وأمَّا إذا لم يكن الكنز عتيقاً، بأن كان له مالك بالفعل، ولكنَّه مجهول، ففي هذه الحالة حكمه حكم مجهول المالك المحترم، فيجب الفحص عن صاحبه حتَّى اليأس من معرفته، وبعد ذلك يُتصدّق به عنه.
هذا كلُّه إذا لم يدّعه أحدٌ منهما.
وأمَّا لوِ ادَّعاه أحدهما، فالمعروف بينهم أنَّه يُعطى له بلا بيِّنة؛ لأنَّ يده عليه، فإذا أخبر بأنَّه له، فيكون إخباره حُجّة؛ لحُجِّيّة إخبار ذي اليد.
وفيه: ما عرفته من أنَّه إذا ادَّعاه واحد، ولم يدّعه الآخرون فهو له، لا لأجل كون يده عليه، بل للنَّصّ الخاصّ، وهو صحيح منصور بن حازم المتقدِّم([4]).
([1]) حكاه عنه في مصباح الفقيه: ج3، ص120.
([2]) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري (رحمه اﷲ): ص58.
([3]) الوسائل باب 17 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدَّعوى ح1.
([4]) الوسائل باب 17 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدَّعوى ح1.
|