قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: الخامس: الكنز والرِّكاز.
الخامس ممَّا يجب فيه الخُمُس: الكنز المسمَّى في جملة من عبارات الأعلام منها عبارة المصنِّف (رحمه اﷲ) هنا ومنها عبارة التَّذكرة والمنتهى بالرِّكاز، من الرّكز، بمعنى الخفاء.
ويقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في حكمه.
الثَّاني: في تعريفه.
أمَّا الأمر الأوَّل:
فالمعروف بين الأعلام وجوب الخُمُس في الكنز، قال صاحب المدارك (رحمه اﷲ): (وقد أجمع العلماء كافّةً على وجوب الخُمُس في الكنوز...)([1]).
وفي الجواهر: (بلا خلاف فيه في الخلاف والحدائق وظاهر الغنية أو صريحها، بل مع زيادة (بين أهل العلم))([2]).
أقول: يدلّ على وجوب الخُمُس فيه مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام الآية الكريمة، والسُّنّة النَّبويّة الشَّريفة:
أمَّا الآية الكريمة، فقوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم) ]الأنفال: 41]، بناءً على عموم الغنيمة لها، وهو ما اخترناه سابقاً حيث قلنا: إنَّها عامَّة. بل قد فُسِّرَت في بعض الرِّوايات بخصوص المقام، كما في رواية الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) بإسناده عن حمَّاد بن عَمْرو وأنس بن محمَّد عن أبيه جميعاً عن الصَّادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في وصيّة النَّبيّ (ص) لعلِّي (عليه السلام) (أَنَّهُ قَالَ (فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ) يَا عَلِيُّ! إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَمْسَ سُنَنٍ أَجْرَاهَا اﷲُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ: حَرَّمَ نِسَاءَ الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ، فَأَنْزَلَ اﷲ (عز وجل) : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء) ]النساء: 22]، وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الخُمُس وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اﷲُ (عز وجل) : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) ]الأنفال: 41]، وَلَمَّا حَفَرَ زَمْزَمَ سَمَّاهَا سِقَايَةَ الْحَاجِّ، فَأَنْزَلَ اﷲ (عز وجل) : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ
وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ]التوبة: 19]، وَسَنَّ فِي الْقَتْلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَأَجْرَى اﷲُ (عز وجل) ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلطَّوَافِ عَدَدٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ، فَسَنَّ فِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَأَجْرَى اﷲُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ.
يَا عَلِيُّ! إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَ لَا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ وَلَا يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَيَقُولُ: أَنَا عَلَى دِينِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام))([3]).
وإنَّما نقلناها بطولها لما فيها من الفوائد الجمَّة، وإلاَّ فمحلّ الشَّاهد هو قوله: (وَوَجَدَ كَنْزاً...)، ورواها أيضاً في الخِصال: (بإسناده عن أنس بن محمَّد عن أبيه...)، وهي ضعيفة؛ لأنَّ في إسناده إلى حمَّاد بن عَمْرو وأنس بن محمَّد عدَّة من المجاهيل، كما أنَّ حمَّاد بن عَمْرو مجهول، وأيضاً أنس بن محمَّد وأبوه مجهولان.
وأمَّا السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، فجملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: صحيحة الحلبيّ (أنَّه سَأَل أبا عَبْد اﷲ (عليه السلام) عَنِ الكَنْز، كَمْ فِيه؟ فَقَال: الخُمُس)([4]).
ومنها: صحيحة البزنطيّ عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) (قَاْل:
سألتُه عمَّا يجب فيه الخُمُس مِنَ الكَنْز؟ فَقَاْل: ما يجب الزَّكاة في مثله ففيه الخُمُس)([5]).
ومنها: حسنة ابن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: الخُمُس على خمسة أشياء: على الكُنوز، والمعادن، والغَوْص، والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس)([6]).
وهذه الرِّواية حسنة، فإنَّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ وثَّقه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ)، وقال في حقِّه في كمال الدين وتمام النعمة : (وكان رجلاً ثقةً ديّناً فاضلاً رحمة اﷲ عليه ورضوانه)، كما أنَّه ترضَّى عنه في عشرة مواضع، وقد ذكرنا أيضاً في أكثر من مناسبة أنَّ رواية ابن أبي عمير عن غير واحد لا تضرُّ في المقام؛ للاطمئنان بوجود الثِّقة في غير واحد.
ومنها: رواية عمَّار بن مروان (قَاْل: سمعت أبا عبد اﷲ (عليه السلام) يقول: في ما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكُنوز، الخُمُس)([7]).
قال السّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه اﷲ) عند التّعرُّض لهذه الرِّواية في ما يجب فيه الخُمُس في الغَوْص : (فإنَّها وإن عُبِّر عنها بالخبر في عدَّة من الكتب المُشعر بالضَّعف، لكنَّ الظَّاهر أنَّها صحيحة السَّند، لما
عرفت في ما مرّ من أنَّ عمَّار بن مروان، وإن كان مشتركاً بين اليشكريّ الموثّق جزماً وبين الكلبيّ الَّذي ذكره الصَّدوق في المشيخة في بعض طُرقه ولم يُوثّقه، إلَّا أنَّ الأوَّل الَّذي يروي عن الصَّادق (عليه السلام) معروفٌ مشهور وله كتاب، بخلاف الثَّاني، ولا شكّ أنّ اللَّفظ ينصرف لدى الإطلاق إلى مَنْ هو الأعرف الأشهر، فلا ينبغي التَّأمُّل في صحّة الرِّواية)([8]).
ولكنَّه قال (رحمه اﷲ) في معجم رجال الحديث عند ترجمة عمَّار بن مروان مولى بني ثوبان: (نعم، روى الصَّدوق في الخِصال)، ثمَّ ذكر هذه الرِّواية أي رواية عمَّار بن مروان ثمَّ قال: (وهذه الرِّواية صحيحة إذا كان راويها عمَّار بن مروان اليشكريّ، ولكنَّه غيرُ ثابتٍ، فإنَّ الرَّاوي عنه هو الحسن بن محبوب، وهو الَّذي يروي عن أبي أيوب الخزَّاز، عن عمَّار بن مروان الكلبيّ، على ما في المشيخة، فمن المحتمل قويّاً أن يكون عمَّار بن مروان في هذه الرِّواية هو الكلبيّ دون اليشكريّ)([9]).
والخلاصة: أنَّه إنْ لم يكن المراد من عمَّار بن مروان في هذه الرِّواية هو الكلبيّ غير الموثَّق، فلا أقلّ من أنَّه مشترك بينه وبين اليشكريّ، ولا مُميِّز، فتكون الرِّواية ضعيفة، واﷲ العالم، وكذا غيرها من الرِّوايات.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح3، والخصال باب الخمسة ح90، ص312.
([4]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح1.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح2.
([6]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح7.
([7]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح6.
([8]) مستند العروة الوثقى كتاب الخمس ص109..
([9]) معجم رجال الحديث: ج13، ص275 و276.
|