أقول: قدِ استُدلّ للتَّفصيل بين ما كان ذلك بإذن الإمام (عليه السَّلام) فالخُمُس له (عليه السَّلام)، وبين ما كان بغير إذنه فالغنيمة له (عليه السَّلام) بثلاثة أدلَّةٍ:
الدليل الأوَّل: الإجماع المدَّعى من الحِلِّيّ (رحمه الله). وفيه: أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حُجَّةٍ، مضافاً إلى احتمال كونه مدركيّاً.
الدليل الثَّاني: مرسلة العبَّاس الورَّاق عن رجل سمَّاه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَاْل: ((إذا غزا قومٌ بغير إذن الإِمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإِمام، وإذا غزوا بأمر الإِمام فغنموا كان للإِمام الخُمُس)) ([1]). وهي، وإن كانت واضحة الدَّلالة، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال، وجهالة الحسن بن أحمد بن يسار، أو بشَّار، كما أنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند.
الدليل الثَّالث: حسنة معاوية بن وهب قَاْل: ((قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): السَّريّة يبعثها الإِمام فيصيبون غنائم، كيف يُقسَّم؟ قَاْل: إن قاتلوا عليها مع أمير أمَّره الإِمام عليهم أُخرِج منها الخُمُس لله وللرَّسول، وقُسِّم بينهم ثلاثة (أربعة) أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلُّ ما غنموا للإِمام يجعله حيث أحبّ) ([2]). وهي، وإن كانت تامَّة السَّند، حيث إنَّها حسنةٌ بإبراهيم بن هاشم، إلَّا أنَّها قاصرة الدَّلالة؛ لأنَّها ظاهرة في التَّفصيل بين القتال وعدمه، لا بين الإذن وعدمها؛ لأنَّ المفروض في السُّؤال أنَّ السّريَّة كانت بأمر الإمام، فالتَّفصيل لا بدّ أن يكون على طبق مورد السُّؤال، وعليه، فلا مفهوم للشَّرطيّة الأُولى؛ وذلك للقرينة الَّتي ذكرناها.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه جملة من الأعلام، وهو أنَّه لا فرق في وجوب خُمس الغنيمة بين ما إذا كان بأمر الإمام (عليه السَّلام)، وبين ما لم يكن بأمره، هو الصَّحيح في المقام. وما ذكره المشهور من أنَّه إذا كان الغزو بغير إذن الإمام، فالغنيمة للإمام (عليه السَّلام) ليس تامّاً.
ويدلُّ على ما ذكرناه صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام): ((في الرَّجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم خ ل)، فيكون معهم، فيصيب غنيمةً، قَاْل: يُؤدِّي خُمُسنا، ويطيب له)) ([3]). وهي مطلقةٌ من حيث كون ذلك بإذن الإمام (عليه السَّلام)، أو بغير إذنه.
وعن جماعة من الأعلام، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله) حَمْل الحسنة على أنَّ ذلك منه تحليل بعد الخُمُس، وإن كانت الغنيمة له (عليه السَّلام). ويرد عليهم أوَّلاً: أنَّه لا قرينة على هذا الحَمْل. وثانياً: لو سلَّمنا ذلك، إلَّا أنَّ ظاهرها أنَّ التَّحليل حكمٌ شرعيٌّ لا مالكيٌّ.
وأمَّا ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله) من التَّفصيل، فهو مبنيٌّ على ظهور المرسلة في خصوص ما كان الغزو للدُّعاء إلى الإسلام، وفي غيره يرجع إلى إطلاق الآية الشَّريفة. ويرد عليه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفةٌ. وثانياً: أنَّنا نمنع لظهور المذكور. نعم، لا تخلو من إشعار بذلك، إلا أنَّ الإشعار غيرُ حُجَّةٍ.
وأمَّا تفصيل صاحب العروة (رحمه الله)، فهو مبنيٌّ على حمل المرسلة على صورة إمكان الاستئذان، فيرجع في غيرها إلى إطلاق الآية الشَّريفة. ويظهر جوابه مما تقدَّم، فإنَّ المرسلة ضعيفة، كما عرفت، كما أنَّ الحَمْل على ذلك يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة، والله العالم بحقائق أحكامه.
([1]) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب الأنفال، ح16.
([2]) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب الأنفال، ح3.
([3]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح8.
|