• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : لباس المصلي / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس168 _لباس المصلي 41 .

الدرس168 _لباس المصلي 41

ومنها: موثَّقة ابن بكير[i]f242 المتقدّمة، التي ورد فيها النهي عن الصَّلاة في الشعر والوبر.

إن قلت: إنّ صدق الصَّلاة فيه يتوقّف على تحقّق اشتماله على المصلّي، ولو على بعضه، مثل الخاتم والقلادة، فلا صدق مع عدم الاشتمال، كما لو كان الشَّعْر على الثوب.

قلت: هذا الكلام مندفع بذكر البول والروث اللذين لا يتصوَّر فيهما الاشتمال، فيراد من الصَّلاة فيه مطلق الملابسة والمصاحبة، قال المحقّق البهبهاني R على ما حُكِي عنه: «بل رواية ابن بكير أيضاً ظاهرة فيه، فإنّ الصَّلاة في الرَوْث مثلاً ظاهرة في المعيَّة، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوَّث به غلط،، لأنَّ الأصل عدم التقدير، سيّما مثله، وقرّر في الأصول أنّه إذا دار الأمر بين المجاز والإضمار، فالمجاز مقدمٌ ومتعيِّن».

ونوقش فيه: بأنّه لا ريب في ظهور لفظ «في» في الظرفيّة، ولكن لمَّا تعذَّرت الحقيقة بالنسبة إلى الرَوْث، ونحوه، حُمِل على أقرب المجازات، وهو ظرفيّة المتلطّخ به، بخلاف الشَّعر، فإنّ الحقيقة ممكنة فيه، فلا حاجة إلى صرفه عنها بلا قرينة.

أقول: لا شبهة في أنّ التوسُّع في الظرفيّة، بحيث تعمّ مطلق الملابسة، والمصاحبة، أقرب من إطلاق الرَوْث وإرادة ما يتلوّث به، بل لا شبهة في أنّه لا ينسبق إلى الذهن من الرَوْث في الرّواية إلاّ إرادة نفسه، فلا تجوّز فيه أصلاً، وإنما التجوّز في لفظة «في» الداخلة عليه، وعلى الشَّعر والوبر، فبالنسبة إليه لا يمكن إبقاؤها على حقيقتها إلاّ بارتكاب التقدير، فيدور الأمر بين التقدير، أي إرادة الثوب الذي يتلوَّث به، وبين التوسّع في الظرفيّة، بإرادة مطلق الملابسة الشاملة للمصاحبة.

والثاني أولى، بلا شبهة، وحيث إنَّ كلمة «في» غير متكرِّرة في الرّواية، فلا يمكن التفكيك بالحمل على الحقيقة بالنسبة إلى الشَّعر والوبر، والمجاز في الروث وأشباهه، لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين.

ولكن قد يُعارِض ذلك صحيح محمَّد بن عبد الجبَّار «قال: كتبتُ إلى أبي محمَّدٍ N أسأله، هل يصلّى في قَلَنْسُوَة عليها وبر ما لا يُؤْكل لحمه، أو تكّة حرير محض، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحلّ الصَّلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصَّلاة فيه، إن شاء الله»[ii]f243، ولكن متن هذه الصحيحة لا يخلو من اضطراب، لأنّه إن أُريد من الذكيّ المقيّد به الوبر هو الطاهر في مقابل النجس، فلا ريب في عدم اعتبار الطهارة فيما لا تتمّ به الصَّلاة.

وإن أريد به ما يقابل الميتة فمن الواضح جواز الصَّلاة في أجزائها التي لا تحلّها الحياة، كالوبر، ونحوه، ففي صحيحة الحلّبي عن أبي عبد الله N «قال: لا بأس بالصَّلاة فيما كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس فيه روح»[iii]f244، وكذا غيرها.

ويحتمل قريباً أن يكون المراد من قوله: «وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصَّلاة فيه» هو ما كان من محلّل الأكل.

كما يؤيّده: ما في رواية عليّ بن أبي حمزة «قلت: أوليس الذكيّ ممّا ذُكيّ بالحديد؟ قال N: بلى، إذا كان ممَّا يُؤْكل لحمه»[iv]f245، وهي ضعيفة كما تقدَّم.

لا يُقال: هذا الاحتمال متوقّف على كون الأرانب قسمَيْن: محلَّل الأكل، ومحرّمه، وهي ليست كذلك.

فإنَّه يُقال: إنّ هذا مبني على كون المراد من الوبر الذكي هو خصوص وبر الأرانب، ولكن لا مُلزِم لهذه التخصيص، بل المراد فيه مطلق الوبر، سواء أكان من الأرانب، أم غيرها.

وهذا الاحتمال، وإن كان مخالفاً لظهور الصحيحة، إلاَّ أنّه متعيّن، إن لم تُحمل هذه الصحيحة على التقية.

ومن هنا ذكر جماعة أنّ الأقوى حَمْل هذه الصحيحة على التقيّة، لاستقرار بعض مذاهب المخالفين على جواز الصَّلاة في أجزاء ما لا يُؤْكل لحمه مع التذكية، إذ من المعلوم أنّ أحمد بن حنبل المعاصر للإمام الرضا N كان يحكم بعدم جواز الصَّلاة في الحرير المحض، وباشتراط كون الشَّعر والوبر مأخوذاً من حيّ أو مذكّى، وقدِ اشتهر مذهبه، ومذهب الشافعي في زمن أبي محمّد العسكري N، ولذا اشتدت التقية فيه.

والخلاصة: أنَّ الموثّقة ظاهرة جدّاً في مطلق التلبّس الصّادق على مثل الشعرات الملقاة على الثوب، وكذا صحيحة أبي علي بن راشد.

وعليه، فما ذهب إليه الأكثر من عموم المنع هو الأقوى، حتّى لو كانت شعرة واحدة على الثوب، أو البدن، والله العالم.

(1) يقع الكلام في أمرين:

الأوَّل: في وبر الخزّ.

الثاني: في جلده.

أمَّا الأمر الأوَّل: فقد تسالم الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأمصار والأعصار على جواز الصَّلاة في وبر الخز الخالص من وبر الأرانب، والثعالب، ونحوها.

قال المصنِّف في الذكرى: «أجمع الأصحاب على جواز الصَّلاة في وبر الخز الخالص»، وفي المدارك: «وقد أجمع علماؤنا على جواز الصَّلاة في وبره، حكاه في المعتبر...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكي منه متواتر كالنصوص...».

أقول: هذه المسألة أصبحت من البديهيَّات، فإن نقل الإجماع فيها متواتر، كما أنّ الأخبار الدَّالة على جواز الصَّلاة فيه، إن لم تكن متواترة، فهي مستفيضة جدّاً.

مضافاً إلى أنَّها سليمة عن المعارض، إذ قلَّما تجد مسألة في الأبواب الفقهية سليمة عن المعارض، كهذه المسألة.

ومن جملة الأخبار الدَّالة على جواز الصَّلاة فيه صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري «أنَّه قال: رأيت الرضا N يصلّي في جبّة خزّ»[v]f246.

 

[i] الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلّي ح3.

[ii] الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلّي ح5.

(*)      الخَزُّ من الثياب: ما يُنسَج من صوفٍ وإبْريسَمٍ، قاله الزبيدي في تاجه، ج8، ص62.

[iii] الوسائل باب 10 من أبواب لباس المصلّي ح13.

[iv] الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلّي ح4.

[v] الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلّي ح5.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=278
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 23-03-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12