الدرس 209 / الاثنين: 14 تشرين2 2022
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وشكاية الفقر(2)
(2) روى محمد بن الحسين الرَّضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «أنَّه قَاْل: مَنْ شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنَّما شكاها إلى الله، ومَنْ شكاها إلى كافر فكأنَّما شكى الله»([1])، وهي ضعيفة بالإرسال، وتدلّ على جواز الشِّكاية بلا كراهة إلى المؤمن خاصّة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو اضطرّ إلى المسألة فلا كراهة(3)
(3) فإنَّ الضَّرورات تُبيح المحظورات، فكيف بالمكروهات؟!
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتُملك بالإيجاب والقبول(1)
(1) الأمر الخامس: المعروف بين الأعلام أنَّها عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول، وفي الجواهر: «بلا خلاف محقّق أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط وفِقه الرَّاونديّ والغُنية والكفاية والمفاتيح الإجماع عليه، بل صريح بعض، وظاهر آخر، اعتبار ما يُعتبر في العقد اللازم فيها...».
أقول: لا إشكال في كفاية تحقُّق الصَّدقة بما يدلّ على الإيجاب والقبول الفعليَّيْن، ولا دليل على اعتبار ما يُعتبر في العقد اللاَّزم من اللَّفظ ونحوه، بل ظاهر بعض الأخبار تحقُّقها ولو بدون القبول؛ ضرورة صِدقها على الإبراء المتقرّب به، كما في قوله تعالى: « وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ ]البقرة: 280[، حيث فسَّروا الصَّدقة بالإبراء.
ومن المعلوم أنَّ الإبراء لا يحتاج إلى القبول. وأيضاً تصدق الصَّدقة على الوقف، مع عدم توقُّفه على القبول على الأقوى، وإن كان هو أحوط، بل تصدق الصَّدقة على بذل الطَّعام والماء ونحوهما للفقراء، الَّذي يكفي فيه الإذن بالتّصرُّف.
وقد ثبت في الرِّوايات أنَّ عليَّ بن الحسين (عليه السلام) كان يتصدَّق على الفقراء في السِّرّ.
ومن المعلوم أنَّ هذا العمل لا يحصل فيه معنى العقديّة، الَّذي هو قصد الارتباط بالإيجاب والقبول، ففي رواية أبي حمزة الثمالي في حديث «قَاْل: وكان عليُّ بن الحسين (عليه السلام) ليخرج في اللَّيلة الظَّلماء، فيحمل الجِراب فيه الصُّرر من الدَّنانير والدَّراهم حتَّى يأتيَ باباً باباً فيقرعه، ثمَّ يناول مَنْ يخرج إليه»([2])، وهي واضحة في أنَّ عمله (عليه السلام) لم يكن على وجه العقديّة.
ولكنَّ هذه الرِّواية ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
والإنصاف: أنَّ المتحصّل من الرِّوايات أنَّ الصَّدقة عبارة عن كونها الإحسان بالمال على وجه القربة، فإن كان موردها الإبراء كان صدقة وإبراء، وإن كان موردها الهبة كان هبة وصدقة، وإن كان موردها الوقف كان وقفاً وصدقة، وإن كان غير ذلك كان صدقة، ومنه الزَّكاة والكفَّارات.
وعليه، فبين الصدقة وهذه الأمور عموم من وجه، فالإبراء منه ما هو صدقة، ومنه ما هو ليس كذلك، وكذلك الهبة والوقف، وقد يجتمعان، كما أنَّ الإحسان بالمال على وجه القربة قد يكون بالتَّمليك فيحتاج إلى إيجاب وقبول.
وأمَّا إذا كان الإحسان بغير تمليك، فلا يحتاج إلى القبول، كما في الإبراء والبذل، ونحوهما.
ويظهر ممَّا ذكرناه أنَّها ليست عقداً مستقلاًّ عن الهبة حتَّى تكون مباينةً لها، ويكون التَّمييز بينها وبين الهبة حينئذٍ بالقصد، وإن اتَّحد موردهما؛ إذ على القول بالتَّباين لا تجتمع الصَّدقة العقديّة مع غيرها من العقود أصلاً، فمثلاً: إذا كانت الهِبة قربةً إلى الله تعالى، فمع عدم قصد الصدقة تكون هبةً لا صدقةً، وبالعكس تكون صدقةً لا هبةً.
ولكن عرفت أنَّ الصَّحيح أنَّ النسبة بينهما عموم من وجه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والقبض(1)
(1) الأمر السَّادس: هل يُشترط فيها الإقباض أم لا؟
المعروف بينهم أنَّه يُشترط ذلك، فإذا لم يحصل الإقباض والقبض، فلا تتحقَّق.
ولعلَّ المسألة اتّفاقيّة، والعمدة في المقام الرِّوايات الصَّادرة عن أهل البيت (عليهم السلام):
منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المرويّة في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه قَاْل في الرَّجل يتصدَّق على ولده وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتَّى يموت فهو ميراث، فإن تصدَّق على مَنْ لم يُدرك من ولده فهو جائزٌ، لأنَّ والده هو الَّذي يلي أمره...»([3]).
([1]) الوسائل باب 35 من أبواب الصدقة ح2.
([2]) الوسائل باب 14 من أبواب الصدقة ح7.
([3]) الوسائل باب 4 من كتاب الوقف والصدقات ح1.
|