لمشاهدة الفيديو يمكنكم الدخول على الرابط التالي:
الاربعاء 16 تشرين الثاني 2022 - الدرس رقم: 39
لتحميل الدرس النصي يمكنكم الدخول على الرابط التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل العملي في المقام:
أمّا بالنسبة لما يقتضيه الأصل العملي على فرض عدم وجود أصل لفظي، فنقول: إنَّ في تقييد الأمر بالفورية مؤنة زائدة، والأصل البراءة منها. وأمّا التراخي، فهو وإن كان خارجاً عن مدلول الهيئة والمادة، إلا أنَّ البراءة لا تجري فيه؛ لأنَّ فيه توسعة على العباد، فجريان البراءة فيه خلاف الامتنان، وقد عرفت سابقاً أنَّه يشترط في جريانها أن لا تكون على خلاف الامتنان.
والخلاصة: إنَّ نتيجة الأصل اللفظي والعملي بالنسبة إلى صيغة الأمر، هو التخيير بين الفور والتراخي.
دلالة الآيات على الفورية:
بعد أن أثبتنا أنَّه لا دلالة للأمر سواء بهيئته أم بمادته على أيّ من الفور والتراخي، بقي شيء في المقام ذكره الأعلام ومنهم صاحب الكفاية (رحمه الله)، وهو: دعوى البعض دلالة غير واحد من الآيات على الفورية؛ كقوله تعالى: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»، وكذا قوله سبحانه وتعالى: «فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
ووجه الاستدلال: أوّلاً: إنَّ المراد من (المغفرة) هي أسبابها؛ لبداهة أنَّ المغفرة بيد المولى، فهي خارجة عن اختيار المكلف، وبالتالي لا يمكن تعلّق التكليف بها، وإنَّما يتعلّق التكليف بالأسباب الموجبة لها، ومن أعظمها الواجبات.
ثانياً: إنَّ معنى الإسراع والاستباق ليس سوى المبادرة إلى متعلقهما، وهذه المبادرة على نحو الوجوب لظهور صيغة الأمر فيه. وعليه، يكون معنى الآيتين: بادروا فوراً إلى الواجبات.
هذا أقصى ما يمكن أن يقال في الاستدلال على الفورية بهاتين الآيتين.
وقد أجيب عنه بعدّة أجوبة:
الجواب الأوّل لصاحب الكفاية: إن كانت الآيتان دالّتين على الوجوب لكان الأنسب في الدلالة عليه التحذير بالغضب والشرّ من مغبّة الترك حتى يرتدع المكلف ويبادر إلى الامتثال فوراً.
هذا الجواب لم يقبله جلّ الأعلام وكثير من طلابه؛ إذ كثيرة هي الواجبات التي لم يحذر المولى من مغبّة تركها، كما أنَّه كثيرة هي المحرّمات التي لم يحذّر المولى من مغبة اجتراحها.
ثمَّ إنَّه لا ملازمة بين وجوب شيء والتحذير من تركه؛ إذ قد يمتثل المكلف بداعي الطمع بالثواب لا بداعي الخوف من العقاب.
والإنصاف في الجواب، هو: أولاً: إن كانت الآيتان دالتين على وجوب المبادرة فوراً إلى أسباب المغفرة وإلى الخيرات، للزم تخصيص الأكثر المستهجن؛ لأنَّ أغلب الواجبات لا تجب المبادرة إليها سوى ما ندر؛ من قبيل ردّ التحية ووفاء الدَين ونحوهما، وكذا المستحبات جميعاً لا تجب المبادرة إليها. وثانياً: إنَّ كلاًّ من مادة المسارعة والاستباق تقتضي سعة المغفرة والخير؛ بحيث لو لم يسارع كان الفعل أيضاً.
وثالثاً: وهو من أحسن الأجوبة، ومفاده: إنَّه كما أنَّ العقل أدرك حسن الطاعة، أدرك حسن المسابقة والمسارعة إليها أيضاً، وبالتالي يكون الأمر في هاتين الآيتين المباركتين إرشادياً لما حكم به العقل، والأمر الإرشادي لا يستتبع حكماً تكليفياً؛ إذ هو إرشاد لما في المأمور به من مصلحة. وعليه، لا أمر مولوي ليقال أنَّه دالّ على الوجوب.
والخلاصة: إذا ورد أمر من المولى ولا يوجد قرينة على الفور فمقتضى القاعدة هو التراخي.
|