• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 193 _ المقصد الأول في الاوامر 125 .

الدرس 193 _ المقصد الأول في الاوامر 125

تبعية القضاء للأداء وعدمها:

قال صاحب الكفاية R: «ثم إنّه لا دلالة للأمر بالمؤقت بوجه على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به. نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل، لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت، وكان لدليل الواجب إطلاق، لكان قضية إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله».

هذا البحث معروف بين الأعلام بتبعيّة القضاء للأداء وعدمها؛ بمعنى أنّه هل الأمر بالمؤقت نفسه يدلّ على وجوب الفعل خارج الوقت؟

نقول: أمّا في مقام الثبوت، فإنّه لمّا كان الوجوب تابعاً للمصلحة في متعلَّقه، وكان الواجب مقيّداً بالوقت، فلا يخلو إمّا أن تكون المصلحة بتمامها مقيّدة بهذا الوقت، أو بعضها مقيّداً به. فإن كانت بتمامها مقيّدة به، فإذا فات الوقت فاتت المصلحة بتمامها، فينتفي الأمر حينئذٍ بانتفاء ملاكه. وإن كان بعض المصلحة مقيّداً به، فإذا فاتَ الوقت لم تفت كلّ مراتب مصلحة الفعل، بل تبقى مرتبة من المصلحة خارج الوقت، وهذه المرتبة يجب تحصيلها بعد الوقت إن كانت ممّا يجب تحصيلها، ويستحب تحصيلها إن لم تكن واجبة التحصيل.

أمّا في مقام الإثبات، فإن كان القيد متصلاً بالدليل الدال على الوجوب؛ كما في قوله: (اغتسل في الجمعة)، فهنا لا إشكال في عدم تبعية القضاء للأداء؛ لأنّ القيد لا يكون دالاً لا على الوجوب خارج الوقت، ولا على عدمه إلا بناءً على القول بمفهوم الوصف، فإذا انتفى الوصف، وهو قوله: (في الجمعة)، فينتفي الحكم حينئذٍ، ولكنّك عرفت في مبحث المفاهيم أنّ الوصف لا مفهوم له.

وأمّا إن كان دليل التقييد منفصلاً عن دليل الواجب، فهنا صور أربعة:

الصورة الأولى: فيما لو كان دليل الواجب مطلقاً؛ كما لو قال الشارع: (اغتسل)، وكان دليل التقييد المنفصل عنه؛ كقولك: فليكن الغسل يوم الجمعة مهملاً لا إطلاق له، فهنا نأخذ بإطلاق دليل الفعل؛ فيكون الغسل واجباً مطلقاً؛ أي سواء كان في الجمعة أم في يوم السبت.

الصورة الثانية: فيما لو كان دليل الواجب مهملاً، ودليل التقييد مطلقاً، فهنا نأخذ بإطلاق دليل القيد، فيكون الغسل واجباً يوم الجمعة فقط، ومعنى إطلاق دليل التقييد هو أنّ هذا القيد معتبر سواء كان الغسل يوم الجمعة ممكناً أم لا. وبالتالي، لا وجوب بعد الوقت.

الصورة الثالثة: فيما لو كان كلّ من دليل الواجب ودليل التقييد مطلقين، فهنا نأخذ بإطلاق دليل التقييد؛ لأنّه قرينة على دليل الواجب، والقرينة أظهر من ذيها، فتكون حاكمة عليها. فالنتيجة هنا كالصورة الثانية؛ وهو أنّ دليل الفعل المقيّد بالوقت ليس دالاً على القضاء خارجه.

الصورة الرابعة: فيما لو كان كلّ من دليل الواجب ودليل التقييد مهملين، فهنا لا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي، فإمّا أن نستصحب الوجوب إلى ما بعد الوقت، كما عليه جماعة، وإمّا أن نجري أصالة البراءة بناءً على عدم جريان الاستصحاب في هذا المورد، وهذا ما سنبحثه تالياً.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من هذه الصور الأربعة لا يختصّ بما لو كان القيد وقتاً، بل يجري في غيره من القيود المأخوذة في الواجب بدليل منفصل؛ كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر N: «لا صلاة إلا بطهور»( )؛ فإنّه مطلق وبإطلاقه يشمل صورة تمكّن المكلف من الإتيان بالصلاة مع الطهارة، وعدم تمكّنه من ذلك.

وعليه، فيكون دليل التقييد حاكماً على إطلاق دليل الواجب، وهو قولهL: « وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾( ) مثلاً، ومقتضى القاعدة سقوط الأمر بالصلاة عند عدم تمكن المكلف من الإتيان بها معها. ومن هنا التزمنا بسقوط الصلاة عن فاقد الطهورين.

والخلاصة: إنّه لا بدّ من النظر إلى ما دلّ على اعتبار القيد؛ فإنّه لا يخلو من أن يكون له إطلاق بالإضافة إلى حالتَي الاختيار وعدمه، أو لا يكون له إطلاق كذلك. وقد عرفت الحكم في الصور الأربع المتقدمة.

وبالجملة، ما ذكرناه يعمّ جميع الواجبات العبادية وغيرها، سواء كان القيد زماناً أم زمانياً، فاحفظ ذلك واغتنمه.

الأصل العملي:

قال صاحب الكفاية R: «ومع عدم الدلالة فقضية أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت، ولا مجال لاستصحاب وجوب المؤقت بعد انقضاء الوقت، فتدبر جيداً».

ذكرنا أنّه بحال كان كلّ من دليل الواجب والتقييد مهملاً، فتأتي النوبة إلى الأصل العملي، فما هو الأصل العملي المتعيِّن في المقام؟

قد يقال بجريان استصحاب الوجوب من يوم الجمعة إلى يوم السبت؛ لأنّا كنّا على يقين بوجوب الغسل يوم الجمعة، ثمّ شككنا في بقائه يوم السبت فنستصحبه.

وفيه: أوّلاً: أنّه يشترط في جريان الاستصحاب اتحاد الموضوع في القضية المتيقَّنة والمشكوكة، وهنا قد اختلف الموضوع أو لا أقلّه نشك في بقائه؛ لأنّ الغسل المقيّد بيوم الجمعة غير الغسل يوم السبت، ومع اختلاف الموضوع؛ وهو الغسل، تكون تسرية الحكم من موضوع إلى موضوع آخر قياساً لا استصحاباً، اللهم إلا أن يقال إنّ الموضوع بنظر العرف واحد؛ إذ لا يشترط في الاستصحاب وحدة الموضوع بالدقة العقلية.

ومن هنا ذهب بعض الأعلام كالسيد محسن الحكيم R إلى جريان الاستصحاب في المقام؛ لكون الموضوع بنظر العرف واحداً، فيشمله قوله R في صحيحة زرارة: «ولا تنقض اليقين أبداً بالشك، وإنّما تنقضه بيقين آخر»( ).

ثانياً: أنّ هذا الاستصحاب هو من استصحاب الحكم الكلي؛ لأنّنا نشكّ في أنّ الغسل هل جُعِلَ من أوّل الأمر لخصوص هذه القطعة من الزمن، وهي يوم الجمعة، أم جُعِلَ لأوسع من ذلك؟ فالشكّ في سعة الحكم وضيقه، فيكون استصحابه استصحاباً للحكم الكلي، وهو غير جارٍ لأنّه معارض باستصحاب عدم الجعل.

وبناءً عليه، فالأصل العملي المتعيّن في المقام هو البراءة؛ إذ لم يقم دليل من الخارج على القضاء، وقد ثبت ذلك في الصلاة والصوم ونحوهما؛ حيث دلّ الدليل على وجوب القضاء فيها.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2579
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 28-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19