• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 192 _ المقصد الأول في الاوامر 124 .

الدرس 192 _ المقصد الأول في الاوامر 124

 الفصل الحادي عشر الواجب المؤقت

قال صاحب الكفاية R: «فصل: لا يخفى أنّه وإن كان الزمان مما لا بد منه عقلاً في الواجب، إلا أنّه تارة مما له دخل فيه شرعاً فيكون مؤقتاً، وأخرى لا دخل له فيه أصلاً فهو غير مؤقت، والمؤقت إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره فمضيَّق، وإما أن يكون أوسع منه فموسع».

لا خلاف في أنّه لا بدّ للفعل من زمان؛ لأنّه من الزمانيات، وبالتالي لا يعقل حصوله بلا زمان، بل يحتاج إلى مكان وفاعل أيضاً، إلا أنّ محلّ كلامنا خصوص الزمان؛ فإنّه تارةً يكون الفعل الواجب غير مقيّد بالزمان، وأخرى يكون مقيداً به.

أمّا الواجب غير المقيد بالزمان، فهو كثير؛ كردّ التحية، وإزالة النجاسة من المسجد، وأداء الدين؛ فإنّ هذا الواجب وإن كان وجوبه فورياً، وكان يحتاج إلى زمان كجميع الأفعال، إلا أنّه غير مقيّد بالزمان، وكذا قضاء الصلوات؛ حيث يمكن قضاؤها في أي وقت، وكذا قضاء الصوم.

وأمّا الواجب المقيّد بالزمان، فتارةً يكون بقدر الزمان، وهو ما يعرف بــــ (الواجب المضيَّق)؛ حيث يستوعب الفعل تمام وقته؛ كالصوم فإنّه يمتدّ على طول زمان امتثاله من الفجر حتى الغروب.

وأخرى يكون الواجب المقيّد بالزمان أضيق من الزمان، وهو ما يعرف بـــــ (الواجب الموسِّع)؛ حيث يكون الفعل المطلوب صرفُ وجوده ممكنَ التحصيل عدّة مرات في الوقت؛ كصلاة الظهرين التي يمكن امتثالهما في آناتٍ متعدّدة على امتداد وقتهما من الزوال إلى الغروب.

إذا عرفت ذلك، فنقول: أمّا الواجب المضيَّق، فقد يشكل عليه بأنّه لمّا كان الانبعاث متأخّراً عن البعث؛ إذ الانبعاث مترشّح عن البعث، ففي وجوب الصوم مثلاً، بما أنّ زمن البعث نحو الصوم هو طلوع الفجر، لا بدّ أن يكون الانبعاث متأخراً عنه ولو آناً واحداً، وبالتالي ففي هذا الآن لا يخلو، إمّا أن لا يكون المكلف صائماً، فيلزم تفويت مقدار من الواجب، وإمّا أن يكون المكلف صائماً، فيلزم من بعثه نحو الصوم في هذا الوقت تحصيل الحاصل، وكلاهما باطلان ما لم نلتزم بالواجب المعلّق والشرط المتأخّر.

أمّا الواجب المعلّق، بأن يكون الوجوب من الليل والامتثال من الفجر. وأمّا الشرط المتأخر؛ فلأنّ فعلية وجوب الصوم من حين رؤية الهلال، ولكنه مشروط بطلوع الفجر، وهو متأخر.

وفيه: أوّلاً: صحيح أنّ الانبعاث متأخّر رتبة عن البعث؛ كتأخّر المعلول عن علته كذلك، إلا أنّهما متحدان زماناً؛ فزمن الوجوب والانبعاث وشرط الوجوب هو طلوع الفجر، فيرتفع إشكال كون الانبعاث متأخراً عن طلوع الفجر.

وأمّا إشكال لزوم تحصيل الحاصل، ففي غير محله أيضاً، نعم لو كان الانبعاث حاصلاً بنفسه لا من البعث كان حينئذٍ من تحصيل الحاصل، وليس الأمر كذلك، بل هو حاصل من البعث، وإلا فيمكن تقريب ذلك بالنسبة إلى العلل والمعلولات التكوينية أيضاً؛ بأن يقال: إنّ المعلول حاصل في زمان علته، فتكون العلة علّة لما هو حاصل. وكما يجاب عن ذلك بأنّ المعلول حاصل من قِبَل علّته المقارنة له في الوجود والمتقدمة عليه في الرتبة، كذلك يقال في المقام بأنّ الانبعاث حاصل من قِبَل البعث المقارن له في الوجود والمتقدم عليه في الرتبة، فلا يتوقّف الانبعاث على سبق البعث زماناً.

نعم، يتوقّف الانبعاث على سبق العلم بالبعث في زمانه؛ فإنّه لو لم يكن عالماً بتحقق البعث في أوّل طلوع الفجر، لم يكن ليصدر عنه الانبعاث والإمساك من أوّل الطلوع.

ثانياً: أنّه لا ربط لهذا الكلام بالواجب المضيَّق؛ لأنّ معناه أن يكون الامتثال مساوياً لزمانه؛ أي إنّ الفعل مستوعب لتمام وقته، أمّا كون الوجوب أوّل الفجر أو قبله، فلا ربط له بالبحث.

هذا بالنسبة إلى الواجب المضيَّق، وأمّا الواجب الموسَّع، فقبل الكلام عنه، نقول: إنّه لا يمكن أن يكون الزمان أضيق من الفعل؛ إذ لا يعقل أن يكون فعل يستغرق أداؤه خمس ساعات، وزمانه ثلاث ساعات مثلاً. أمّا ما ورد في موثقة عمار بن موسى، عن أبي عبد الله N ­ في حديث ­ قال: فإن صلّى من الغداة ركعة ثمّ طلعت الشمس، فليتم وقد جازت صلاته...»( )، فإنّ مقدار الركعة قبل طلوع الشمس وإن كان داخلاً في زمان صلاة الصبح، إلا أنّ الركعة الثانية منها في خارج وقتها، وليس مقدار زمان الركعة الأولى هو تمام الوقت للصلاة، فإنّه غير معقول؛ لكونه أضيق من الفعل. ومن هنا نجد أنّ الشارع نزَّل هذه الصلاة التي وقعت ركعة واحدة منها في وقتها منزلة الصلاة في وقتها، وإلا فلا يمكن أن يكون الزمن أضيق من الفعل.

إذا عرفت ذلك، فنقول: قد أشكل جماعة من القدماء على الواجب الموسَّع. وحاصل هذا الإشكال: إنّه إذا وجبت الصلاة من حين الزوال، فبناءً على الواجب الموسَّع يكون المكلف مجازاً بترك الصلاة في أوّل وقتها؛ حيث يمكنه أداؤها في أي وقت آخر من الآنات اللاحقة إلى حين الغروب. وعليه، فجواز الترك ينافي كونه واجباً، ولا يجتمع جواز الترك مع الوجوب.

وجوابه: أوّلاً: إنّ الممنوع منه هو ترك الواجب مطلقاً لا تركه إلى بدل، وهنا إنّما تَرَكه أوّل الوقت فقط، ولم يتركه في كلّ الوقت، فلا محذور في ذلك.

وإن شئت فقل: إنّ الواجب هو طبيعي الصلاة على نحو صرف الوجود، فإذا ترك الفرد الأوّل من الصلاة أوّل الزوال، أو الفرد الثاني أو الثالث وغيرهما من الأفراد، فلا يقال إنّه ترك الصلاة الواجبة؛ لأنّ هذه الأفراد ليست واجبة، وإنّما هي مصاديق للواجب، والواجب لم يتركه. نعم، إنّما يصدق عليه ترك الواجب إذا ترك جميع الأفراد العرْضية والطولية من أوّل الزوال إلى الغروب، ولكن في مقامنا ليس الأمر كذلك.

فالخلاصة: إنّ هذا الإشكال في غير محله.

ثانياً: في الواجب التخييري يترك المكلف الصوم إلى الإطعام مثلاً، فلا يقال حينئذٍ إنّه ترك الواجب، بل ترك أحد أفراده المخيَّر بينها.

وعليه، فما أورد على الواجب الموسّع لم يكتب له التوفيق.

التخيير في الواجب الموسَّع:

هل التخيير في الواجب الموسَّع بين أفراده الطولية تخيير عقلي أم شرعي؟ ذهب المشهور إلى أنّ التخيير بينها عقلي، بينما ذهب العلامة الحلي إلى كونه شرعياً؛ لأنّ الفرض أنّ الصلاة مثلاً مقيّدة بالوقت، فكأنّ الشارع قال: (صلِّ في هذا الوقت، فإن لم تصلِّ فصلِّ في الوقت الذي بعده، فإن لم تصلِّ فصلِّ في الوقت الذي بعده، وهكذا).

وفيه: أنّ المائز بين التخيير العقلي والشرعي، إمّا أنّه بملاحظة وحدة الملاك وتعدّده؛ حيث يكون التخيير عقلياً في الأوّل وشرعياً في الثاني، وإمّا أنّه بملاحظة أخذ التخيير في لسان الدليل الشرعي وعدم أخذه، وهو الأصح؛ حيث يكون التخيير شرعياً في الأوّل وعقلياً في الثاني.

فإن كان المائز بينهما هو الأوّل، فبما أنّ ملاك الصلاة مثلاً واحد، فالتخيير عقلي حينئذٍ. وإن كان المائز بينهما هو ما ذكر ثانياً، فالتخيير أيضاً عقلي؛ حيث لم يؤخذ التخيير في لسان الشارع، ولم يرد على لسانه؛ كما لو قال: (صلِّ في هذا الوقت، فإن لم تصلِّ فصلِّ في الوقت الذي بعده، وهكذا)، فالتخيير عقلي حينئذٍ كما هو عقلي بين أفراد الواجب العرضية. فما ذكره العلامة لم يكتب له التوفيق.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2578
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 27-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12