• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 191 _ المقصد الأول في الاوامر 123 .

الدرس 191 _ المقصد الأول في الاوامر 123

 الفصل العاشر الوجوب الكفائي

قال صاحب الكفاية R: «فصل: في الوجوب الكفائي: والتحقيق أنّه سنخ من الوجوب، وله تعلق بكل واحد، بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعاً، وسقط عنهم لو أتى به بعضهم، وذلك لأنّه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد، صادر عن الكل أو البعض. كما أن الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة، واستحقاقهم للمثوبة، وسقوط الغرض بفعل الكل، كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد».

تعرضنا لمبحث الوجوب الكفائي في مبحث الأوامر حينما تكلّمنا عمَّا يقتضيه الأمر من العينية أو الكفائية... ولكن يبقى ما ينبغي ذكره هنا، فهذا محلّه أيضاً.

نقول: من المعلوم أنّه كما يحتاج الأمر إلى متعلَّق، فهو يحتاج أيضاً إلى موضوع، وهو المكلّف. وكما أنّ المتعلَّق قد يكون مطلوباً على نحو مطلق الوجود؛ بأن تكون كل أفراده مطلوبة، ويكون أيضاً مطلوباً على نحو صرف الوجود؛ بأن يكون فرد من الطبيعة مطلوباً، وهو الغالب في الأوامر، كذلك الموضوع؛ إذ قد يكون المتعلَّق مطلوباً من جميع المكلّفين؛ حيث ينحلّ الحكم بعدد أفراد الموضوع؛ كما في الوجوب العيني، وقد يكون أيضاً مطلوباً من أحد المكلّفين لا بعينه؛ كما في الوجوب الكفائي.

إذا عرفت ذلك، فنأتي إلى كيفية تصوير الوجوب الكفائي؛ أي كيفية تعلقه بموضوعه، فهناك عدّة تصويرات:

التصوير الأوّل: أن يكون الواجب الكفائي مطلوباً من أحد المكلفين بعينه، إلا أنّه معيَّن لدى اللهLفي الواقع ومجهول لدينا، ولكن إن قام به غير المعيَّن سقط عن المعيَّن.

وفيه: أوّلاً: إن كان الواجب واجباً على شخص معيَّن لدى اللهL، فكيف يسقط بفعل غيره حينئذٍ؟! فإن استدلّ بوقوع ذلك خارجاً؛ حيث نجد في الواجبات الكفائية أنّه إن أتى بها البعض سقطت عن البعض الآخر، أجبنا بأنّه لا دليل على أنّ من أتى به ليس مشمولاً بالتكليف.

ثانياً: لمّا كانت الواجبات الكفائية متساوية النسبة إلى جميع المكلفين، كان تخصيص أحدهم بها ترجيحاً بلا مرجح.

ثالثاً: لو فرضنا أنّ المعيَّن لدى اللهLهو زيد واقعاً، فإن كان زيد جاهلاً بكونه المعيَّن جاز له إجراء أصالة البراءة من هذا التكليف، وكذا الحال بالنسبة لبكر وعمرو وغيرهما؛ فحقّهم أن يجروا أصالة البراءة أيضاً، وهكذا حتى يجري جميع المكلّفين أصالة البراءة من هذا التكليف.

وعليه، فلا يصل هذا التكليف إلى مرحلة التنجيز أصلاً، فيكون تشريعه لغواً، والحكيم منزّه عن اللغوية.

رابعاً: وهو إشكال إثباتي، وهو أنّه مخالف لظاهر الأدلة؛ فإنّها لم تصرّح ولم تلمّح إلى أنّ موضوع الوجوبات الكفائية شخص معيَّن لدى اللهL.

التصوير الثاني: أن يكون الواجب الكفائي مطلوباً من كلّ المكلفين على نحو العموم المجموعي؛ أي يكون التكليف واحداً لمجموعهم، فالموضوع هو الكلّ على نحو العموم المجموعي.

وفيه: أوّلاً: ما من واجب كفائي يمكن صدوره من كل المكلّفين.

ثانياً: لو كان الموضوع كلّ المكلفين على نحو العموم المجموعي، فإن أتى به البعض لم يسقط التكليف؛ لأنّ موضوعه كلّ المكلّفين على نحو العموم المجموعي، فكيف يسقط مع كون الغرض مترتباً على صدوره من مجموعهم؟!

التصوير الثالث: أن يكون الواجب الكفائي مطلوباً من كلّ المكلفين ولكن على نحو العموم الاستغراقي؛ فينحلّ التكليف بعدد المكلّفين، ولكن وجوبه على كل أحد يكون مشروطاً بترك الآخرين له.

وفيه: إن كان المراد من اشتراط ترك الآخرين له تركه لبعض الوقت، فلو فرضنا أنّ الجميع تركوه لبعض الوقت، فهنا يصير التكليف فعلياً بحقّ الجميع على نحو العينيّة؛ لتحقق شرطه، وهذا خلف كونه كفائياً.

وإن كان المراد من اشتراط ترك الآخرين له تركه مطلقاً، فلو فرضنا أنّ أحداً لم يتركه، فلا يكون واجباً على أحد، وهذا خلف كونه واجباً من جهة، ومن جهة أخرى لا يكون فعلهم امتثالاً له؛ لعدم تحقّق شرط فعليته، وهو تركه من قبل الآخرين مطلقاً.

الإنصاف:

أنّ الواجب الكفائي ليس مطلوباً من أحد بعينه، ولا من الكلّ على نحو العموم المجموعي ولا الاستغراقي، وإنّما مطلوب من أحد المكلّفين لا بعينه، فيكون الموضوع عنوان أحد المكلفين لا بعينه، ولكن لا بما هو هو، ولا بما هو صورة في الذهن، بل بما هو حاكٍ عن الخارج. وهذا النحو كما هو واقع في الشرع؛ كما في الأمر بدفن الميت وتكفينه وتغسيله والصلاة عليه، فلا يتعلّق غرض المولى بصدور الفعل بخصوص أحد المكلّفين، بل المطلوب وجوده في الخارج من أيّ واحد منهم؛ فإنّ نسبة ذلك الغرض الواحد إلى كل الأفراد على السوية، فيكون تخصيص واحد منهم معيَّن بتحصيل ذلك خارجاً بلا مخصص، وهو باطل.

وكذلك هو واقع في العرف أيضاً؛ حيث نجد أنّ الأب مثلاً حينما يأمر أحد أبنائه بإيجاد فعل في الخارج من دون أن يتعلّق غرضه بصدور هذا الفعل من خصوص هذا الابن أو ذاك، ولذا لو أتى به أي واحد منهم، فقد حصل الغرض وسقط الأمر، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2577
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 23-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18