• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 183 _ المقصد الأول في الاوامر 115 .

الدرس 183 _ المقصد الأول في الاوامر 115

مسألة:

اتفق الفقهاء على أنّ كل عمل خالفه الإنسان عالماً عامداً، فهو باطل، وألحقوا به كل عمل أتى به المكلف على خلاف الواقع جاهلاً مقصِّراً، إلا أنّهم استثنوا موردين وقع الخلاف في كونهما من صغريات الترتّب أو لا:

الأوّل: فيما لو جهر المكلّف في صلاته في موضع الإخفات أو العكس عن جهل ولو تقصيري؛ حيث ذهب الأعلام إلى صحّة الصلاة حينئذٍ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر N في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمِّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمَّت صلاته»( ). إلا أنّهم ذهبوا مع صحّة الصلاة إلى استحقاق المكلّف العقاب.

الثاني: فيما لو أتمّ في موضع القصر؛ حيث ذهب الأعلام إلى صحة الصلاة؛ لعدّة أخبار منها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا: «قلنا لأبي جعفر N: رجل صلّى في السفر أربعاً، أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قُرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه»( ). وقد حكموا أيضاً باستحقاقه العقاب.

وأمّا في مورد العكس، فلم يحكموا بالصحة؛ كما إذا قصَّر في موضع الإتمام، إلا في صورة واحدة، فقد حكم فيها السيد الخوئي R بالصحّة، وهي ما لو كان ناوياً الإقامة عشرة أيام في بلد ما، فقصَّر جهلاً؛ وذلك لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله N، قال: «سمعته يقول: إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلاً فليس عليه إعادة»( ). وقد أعرض المشهور عنها، ولم يفتِ بمضمونها، أضف إلى أنّها ضعيفة السند؛ لتردّد موسى بن عمر الوارد في السند بين كونه ابن بزيع الثقة، وابن يزيد المجهول، إلا أنّ السيد الخوئي صحّحها لورود ابن يزيد في كامل الزيارات، ومن هنا أفتى بمضمونها، ولكنّه رجع أخيراً عن رأيه في تصحيح كلّ ما هو موجود في كامل الزيارات.

ونضيف مورداً ثالثاً، وهو فيما لو ترك صلاة الطواف خلف المقام جهلاً؛ وذلك لصحيح جميل بن دراج عن أحدهما N: «إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي»( )؛ حيث أفتى الفقهاء بصحّة الطواف الواجب فيما لو ترك ركعتي الطواف خلف المقام جهلاً ولو عن تقصير، ويأتي بهما بعد ذلك حاله حال الناسي لهما.

مهما يكن من شيء، فإنّ إلحاق هذه المسألة في باب الترتب نتيجة ما ذهب إليه الشيخ جعفر كاشف الغطاء R؛ حيث وجّه استحقاق المكلف العقاب رغم صحة صلاته بالترتب على نحو مثلاً: (يجب أن تصلّي الظهرين إخفاتاً، فإن عصيت فصلِّ جهراً، فالعقاب حينئذٍ لعصيانه)، والصحّة تكون من باب الترتب مضافاً للروايات الواردة في صحتها، وكذا (يجب أن تقصّر في السفر، فإن عصيت فأتمّ الصلاة، فالعقاب يكون لعصيانه التقصير)، والصحة تكون من باب الترتب مضافاً للروايات الواردة في صحتها.

هذه محاولة الشيخ جعفر لتوجيه استحقاق العقوبة.

إلا أنّ الشيخ الأنصاري اعترض على هذه المحاولة بأنّها مبنيّة على صحة الترتب، فلا ينبغي الاحتجاج بها عند من لا يؤمن بها كأمثاله.

هذا وقد أشرنا سابقاً إلى أنّه قد ظهر من كلام للشيخ الأعظم في مبحث التعادل والتراجيح أنّه يقول بالترتب؛ حيث قال: «ولكن، لمّا كان امتثال التكليف منهما كسائر التكاليف الشرعية والعرفية مشروطاً بالقدرة، والمفروض أنّ كلاًّ منهما مقدور في حال تُرك الآخر، وغير مقدور مع إيجاد الآخر، فكل منهما مع ترك الآخر مقدور، فيحرم تركه ويتعين فعله، ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه، فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلة وجوب الامتثال بكل منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة. وهذا ممّا تحكم به بديهة العقل؛ كما في كل واجبين اجتمعا على المكلف، ولا مانع من تعيين كل منهما على المكلف بمقتضى دليله إلا تعيين الآخر عليه كذلك»( ).

هذا ما ذكره الشيخ وهو ظاهر في قبوله بالترتّب إلا أنّ الترتب في كلامه من الطرفين، ولكن لا فرق بينه وبين ما لو كان الترتب من طرف واحد؛ كلّ ما في الأمر أنّه في الصورة الأولى نرفع الإطلاق عن الطرفين، بينما نرفعه في الصورة الثانية، وهي ما لو كان الترتب من طرف واحد عن المهم فقط، ويبقى الإطلاق في طرف الأهم، ولا فرق في صحة الترتب بين أن يكون من طرف أو من طرفين؛ لأنّ الملاك في إمكان الترتّب واستحالته مشترك بينهما كما لا يخفى.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2569
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 09-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20