• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 176 _ المقصد الأول في الاوامر 108 .

الدرس 176 _ المقصد الأول في الاوامر 108

أقول: أوّلاً: تقدم سابقاً أنّه لا يشترط في صحة العبادة قصد امتثال الأمر بها، بل يكفي قصد ملاكها بل قصد كل ما يضاف إليهYمن الطمع بثوابه أو الخوف من عقابه. وبناءً عليه صحَّح الميرزا الصلاة المزاحمة للإزالة بدعوى بقاء ملاكها بعد سقوط الأمر بها.

وقد استدلّ على بقاء الملاك بأنّ الدلالة الالتزامية إنّما تتبع الدلالة المطابقية حدوثاً لا بقاءً؛ أي تتبعها ثبوتاً في الواقع وإثباتاً في مقام الخطاب، ولا تتبعها في مقام الحجية؛ لأنّ الحجية من باب الظهور لا من باب التعبد، فلمّا كان لدينا ظهوران: الأوّل في الدلالة المطابقية، والثاني في الدلالة الالتزامية، وكل منهما مستقلّ عن الآخر؛ والعقلاء يفكّكون بينهما؛ فقد يعتبرون أحدهما دون الآخر، فإن كان ثمّة مزاحم لأحدهما دون الآخر، سقط الأوّل دون الثاني؛ وذلك كما نحن فيه؛ فإنّ الأمر بالإزالة زاحم الدلالة المطابقية للأمر بالصلاة، ومن هنا سقطت، أمّا الدلالة الالتزامية فلا موجب لسقوطها؛ فإنّه لم يزاحمها شيء.

وعليه، فإن كان الأمر بالصلاة قد دلّ على وجود ملاك في الفعل بالدلالة الالتزامية، فبعد سقوط الأمر ­ وبالتالي سقوط الدلالة المطابقية ­ لا تسقط معه الدلالة الالتزامية على وجود الملاك.

ونجيب على هذا الاستدلال بجوابين نقضيٍّ وحليٍّ:

أمّا الجواب النقضي، فنمثِّل له بمثالين:

الأوّل: فيما لو قامت بيّنة على ملاقاة الثوب للبول، فكانت دلالتها المطابقية هي الملاقاة، ودلالتها الالتزامية هي نجاسة الثوب بالبول، ثمّ تبيّن كذب هذه البينة، فسقطت دلالتها المطابقية على ملاقاة الثوب للبول، فهنا بناءً على عدم سقوط الدلالة الالتزامية على إثرها، يبقى الحكم بنجاسة الثوب من خلال البيّنة، وهذا ما لم يقل به أحد.

الثاني: فيما لو قامت بيّنة على أنّ الدار التي تحت يد زيد لعمرو، وقامت بيّنة أخرى على أنّها لبكر، فاختلفت دلالة البيّنتين المطابقية؛ إذ دلّت الأولى على أنّ الدار لعمرو بينما دلّت الثانية على أنّها لبكر، واتفقت دلالتهما الالتزامية؛ إذ دلّتا على أنّ الدار ليست لزيد حتماً، ثمّ سقطت دلالتهما المطابقية على أنّ الدار لعمرو وبكر لأجل التعارض، فهنا بناءً على عدم سقوط الدلالة الالتزامية على إثرها، فيبقى الحكم بعدم ملكية زيد للدار، وتكون حينئذٍ مجهولة المالك ممّا يوجب إخراجه منها، وهذا ما لم يقل به أحد أيضاً.

وأمّا الجواب الحلي، فهو أنّه لمّا كانت الدلالة المطابقية علة للدلالة الالتزامية، ولا يعقل أن تكون دائرة المعلول أوسع من دائرة العلة، فلا يمكن فرض بقاء مدلول الدلالة الالتزامية بعد سقوط مدلول الدلالة المطابقية؛ إذ الدلالة الالتزامية تتبع مدلول الدلالة المطابقية سعةً وضيقاً؛ فإنّ البيّنة لمّا دلّت في المثال الأوّل على ملاقاة الثوب للبول، إنّما دلّت بالدلالة الالتزامية على ملاقاته لنجاسة خاصة وهي البول لا مطلق النجاسة، فكأنّها دلّت على تنجس الثوب بالبول لا أكثر من ذلك، فإذا انتفت ملاقاة الثوب للبول انتفى التنجّس به حتماً.

فالخلاصة: إنّ دعوى تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية حدوثاً لا بقاءً في غير محلّها. وعليه، فمع سقوط الأمر بالصلاة المزاحمة للإزالة لا نعلم ببقاء الملاك حتى نصحّحها بقصده، بل كما نحتمل بقاءه نحتمل سقوطه أيضاً. ومن هنا يتضح لك بطلان ما قاله صاحب الكفاية من القطع ببقاء الملاك بعد سقوط الأمر.

ثانياً: يترقّى الميرزا في تصحيح الصلاة المزاحمة للإزالة بقوله إنها صحيحة ليس فقط رغم سقوط الأمر بها، بل رغم ورود النهي عنها؛ ذلك أنّ النهي المفسد للعبادة هو خصوص النهي النفسي؛ لأنّ ملاكه وجود مفسدة في متعلقه، ومعه لا يمكن أن يبقى ملاك المصلحة في العبادات. أمّا النهي الغيري، كالنهي عن الصلاة المزاحمة للإزالة، فلا مفسدة في متعلقها أصلاً؛ فإنّ المولى لم ينهَ عنها لمفسدة فيها، وإنّما نهى عنها لأجل مزاحمتها للإزالة، وبالتالي فإنّ ملاك المصلحة في الصلاة باقٍ، فيمكن تصحيحها حينئذٍ.

وقد أثنى السيد الخوئي على هذا الكلام.

والإنصاف: أنّ هذا الكلام غير مقبول، فصحيح أنّ النهي الغيري ليس ناشئا عن مفسدة في متعلقه، إلا أنّه لمّا كان النهي عن الصلاة المزاحمة للإزالة نهياً مولوياً، فمعناه أنّ المكلف مزجور عنها، فتكون مرجوحة. وعليه، فما لم يكن الشيء مرغوباً فيه للمولى فعلاً، لا يصلح حينئذٍ التقرب به إليه، ومجرّد وجود مصلحة فيه لا يوجب مرغوبيّته له مع فرض نهيه وتبعيده.

وبالجملة، لا وجه للتقرب إلى المولى بما أبعدنا عنه، وكون النهي نهياً غيرياً لا يخرجه عن كونه زجراً وتنفيراً وتبعيداً عن الفعل، وإن كان التبعيد لفوات مصلحة الغير.

والخلاصة: إنّه لا يعقل التقرب إلى الله أمر مرجوح لديه. ومن هنا يتضح لك أنّه ليس مناط فساد العبادة المنهي عنها وجود مفسدة فيها فقط، بل يكفي في فسادها نفس الزجر عنها.

وأمّا قبول السيد الخوئي لكلام أستاذه، فيرد عليه أنّه لا يتناسب مع نفيه للعلم ببقاء الملاك، وعليه، فلا يمكن تصحيح العبادة من ناحية الملاك، ولكن يمكن تصحيحها من باب الترتّب كما يلي.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2562
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 25-12-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18