• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 173 _ المقصد الأول في الاوامر 105 .

الدرس 173 _ المقصد الأول في الاوامر 105

 المبحث الثالث هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام؟

قال صاحب الكفاية R: «الأمر الثالث: إنّه قيل بدلالة الأمر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام، بمعنى الترك، حيث إنّه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك. والتحقيق أنّه لا يكون الوجوب إلا طلباً بسيطاً، ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب، لا مركباً من طلبين...».

بعد أن عرفت أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لا على نحو المقدمية ولا التلازم، تأتي النوبة إلى الضد العام؛ أي النقيض، لنسأل: هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام؟

نقول: ذهب جمهرة من الأعلام إلى الاقتضاء، فلم يختلفوا في أصل دلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضده العام، ولكنّهم اختلفوا في كيفية الدلالة؛ فمنهم من ذهب إلى أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه؛ أي بالدلالة المطابقيّة، ومنهم من ذهب إلى أنّه يدلّ عليه تضمناً، ومنهم من ذهب إلى أنّه يدلّ عليه إلتزاماً، فتلك ثلاثة كاملة.

الاقتضاء بالدلالة المطابقية:

أمّا من ذهب إلى العينية والدلالة المطابقية؛ بمعنى أنّ (صلِّ) عين (لا تترك الصلاة)، فإن كان مرادهم أنّهما تعبيران عن معنى واحد؛ أي إنّ العينية في مقام التعبير فحسب، وإلا فلا يوجد في الواقع إلا حكم واحد وهو الوجوب.

ففيه: أوّلاً: أنّه خارج عن محلّ النزاع؛ فهو حول اقتضاء حكم لحكم آخر.

ثانياً: كيف يكون الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام ويدلّ عليه مطابقة، والحال أنّهما مختلفان مفهوماً.

وإن كان مرادهم أنّ النهي الذي اقتضاه الأمر نهي حقيقي.

ففيه: ما تقدم من أنّه لمّا كانت الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، فإنّ فرض اقتضاء الأمر للنهي عن ضده العام، يلزمه أن يكون ثمّة مفسدة ما في متعلق النهي، ولا مفسدة في ترك الواجب، وإنّما تفويت للمصلحة الكامنة في متعلقه، وإلا لو كان ثمة مفسدة في تركه وبالتالي كان منهياً عنه، للزم أن يعاقب المكلّف عقابين: الأوّل على عدم امتثال الواجب، والثاني على عدم انتهائه عن الحرام، وهو ترك الواجب، وهذا ما لم يقل به أحد، بل الجميع متفق على أنّ في تركه عقاباً واحداً.

ثمّ لو سلّمنا أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام، وأنّ النهي حقيقي تابع لمفسدة في متعلقه لا مجرّد تعبير آخر عن الوجوب، إلا أنّه كيف يستقيم أن يكون الأمر بالشيء عين النهي عن ضده والحال أنّ متعلق الأوّل محبوب، ومتعلق الثاني مبغوض؟ فإنّ بين المحبوبية والمبغوضية تمام التنافر، فتأمل.

الاقتضاء بالدلالة التضمنية:

ذهب جماعة من الأعلام إلى أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده تضمناً؛ أي إنّ (صلِّ) متضمن لـــــ (لا تترك الصلاة)؛ باعتبار أنّ الوجوب مركّب من طلب الفعل مع المنع من الترك.

وفيه: أوّلاً: ما تقدم من أنّه ليس لدينا إلا حكم واحد؛ إذ لا توجد مفسدة في ترك الواجب حتى تشكّل ملاكاً للنهي عن ضده العام، وإنّما أقصاه أنّ في ترك الواجب تفويت لمصلحته.

ثانياً: أنّ الدلالة التضمينة تعني أنّ المدلول عليه تضمناً جزء من الدال، فإن كان الأمر دالاً على النهي عن الضد العام تضمناً، فمعناه أنّ الوجوب موضوع لمعنى مركّب من طلب الفعل والمنع من ترك ضده العام، وهذا باطل؛ إذ لو كان المراد من الوجوب الإرادة النفسية، فهي كيف نفساني بسيط، والبسيط لا تركُّب فيه. وإن كان المراد من الوجوب الاعتبار العقلي؛ بمعنى أنّ العقل يحكم باللزوم عند اعتبار المولى الفعل على ذمّة المكلف مع عدم نصبه قرينة على الترخيص في تركه، فهو أشدّ بساطة من الأعراض، وكذا لو كان الوجوب مجعولاً شرعياً، فإنّه بسيط في غاية البساطة؛ إذ المجعولات الشرعية لا فصل لها ولا جنس.

وممّا ذكرنا يتضح لك أنّ ما ذكره بعض الأعلام من أنّ الوجوب عبارة عن مرتبة من الطلب وبذاته يمتاز عن الاستحباب في غير محلّه؛ إذ ليس الفرق بين الوجوب والاستحباب اختلاف المرتبة، وإنّما الوجوب حكم عقلي كما تقدم توضيحه، والشدة والضعف إنّما تكون في ملاكات الأحكام لا في نفسها.

إن قلتَ: لكن أحياناً يعرِّفون الوجوب بأنّه: «طلب الفعل مع المنع من الترك».

قلتُ: المنع من الترك لازم للمعرَّف لا هو نفسه. أضف إلى ذلك أنّ المنع من الترك لو كان جزءاً للوجوب لأشكل عليه كما أشكل على القول بالعينية من أنّه كما لا يكون البغض عين حبّ الفعل، كذلك لا يمكن أن يكون جزءه.

ثالثاً: أنّا قد بيَّنا سابقاً بما لا مزيد عليه بأنّه لا دلالة تضمّنية أصلاً؛ لأنّ التضمن عبارة عمّا يدلّ اللفظ على جزء معناه الموضوع له وهذا الجزء داخل في ضمنه، ومن المعلوم أنّ جميع المفاهيم بنفسها بسيطة لا تركُّب فيها، وإنّما جاء التركيب من تحليلها لا من نفسها؛ فالمعنى لا أجزاء له حتى يكون التضمن عبارة عمّا يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له.

الاقتضاء بالدلالة الالتزامية:

ذهب جماعة من الأعلام منهم الميرزا النائيني R إلى أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده التزاماً؛ أي إنّ (صلِّ) يدلّ على (لا تترك الصلاة) بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص أو على الأقل بالمعنى الأعم.

وفيه: أمّا اللزوم بالمعنى الأخص، وهو الذي معناه تصوّر اللازم بمجرّد تصوّر الملزوم؛ أي تصوّر المنع من الترك بمجرد تصوّر الوجوب، ففيه ما تقدم من أنّه إن كان المراد بالنهي المدلول عليه التزاماً مجرد نهي تعبيري، فهو خارج عن محلّ النزاع؛ لأنّ الكلام في اقتضاء حكم لحكم آخر. وإن كان المراد منه نهياً حقيقياً، فهو في غير محله؛ إذ لمّا كان ملاك النهي مفقوداً؛ حيث لا مفسدة في الترك، فلا حكم بالنهي.

ثمّ إنّ من خصائص اللازم بالمعنى الأخص أنّه لا ينفك عن ملزومه، والحال أنّ كثيراً من المكلفين إذا أمروا بشيء يتوجّهون إلى خصوص متعلقه، ويغفلون عن ضده العام، وقد نسب السيد الخوئي R اعتراف أستاذه النائيني R بحصول الغفلة عن اللازم، فكيف يكون لازماً بالمعنى الأخص، وهو لا ينفكّ عن ملزومه.

نعم، لولا الإشكال الأوّل ­ وهو عدم وجود النهي الحقيقي في ترك الصلاة الذي هو ضد عام للصلاة ­ لأمكن أن يكون النهي عن الضد العام لازماً بيِّناً بالمعنى الأعم للأمر بالشيء؛ لفرض أنّه عبارة عن تصوّر اللازم والملزوم والنسبة بينهما ليذعن بالملازمة؛ مثل: (الاثنان نصف الأربعة)، أو (الاثنان ربع الثمانية)، فإنّك إذا تصوّرت الاثنين قد تغفل عن أنّها نصف الأربعة أو ربع الثمانية، ولكن إذا تصوّرت أيضاً الثمانية مثلاً، وتصوّرت النسبة بينهما، تجزم أنّها ربعها، وكذا إذا تصوّرت الأربعة والنسبة بينهما، تجزم أنّها نصفها، ومن هذا الباب لزوم وجوب المقدمة لوجوب ذيها؛ فإنّك إذا تصوّرت وجوب الصلاة وتصوّرت الوضوء، وتصوّرت النسبة بينه وبين الصلاة، وهي توقف الصلاة الواجبة عليه، حكمت بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوبه.

والخلاصة: إنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي لا عن ضده الخاص مطلقاً ­ أي لا على نحو المقدمية ولا اللزوم ­ ولا يقتضي النهي عن ضده العام مطلقاً؛ أي لا بالدلالة المطابقية ولا التضمنية ولا الإلتزامية، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2559
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 18-12-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20