• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 162 _ المقصد الأول في الاوامر 94 .

الدرس 162 _ المقصد الأول في الاوامر 94

الثمرة الخامسة: (حرمة أخذ الأجرة)

بناءً على وجوب المقدمة يلزم عدم جواز أخذ الأجرة عليها؛ إذ لا يجوز أخذ الأجرة على الواجبات، بينما يجوز أخذ الأجرة على فعلها بناءً على عدم وجوبها.

هذا حاصل هذه الثمرة، وقد أُشكل عليها بعدة إشكالات، منها:

الأوّل: إنّ المعروف بين الأعلام أنّها غير تامة؛ لأنّها ليست نتيجة للمسألة الأصولية؛ ذلك أنّها لم تقع كبرى لقياس يستنبط منه حكماً شرعياً فرعياً؛ فإنّ حرمة أخذ الأجرة وعدمها لا ربط لهما بالمسألة الأصولية ومقدمة الواجب، وإنّما هي قاعدة فقهية تطبَّق على مواردها؛ فإذا ثبتت الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها، كان وجوب المقدمة صغرى لهذه الكبرى الفقهية، وهي حرمة أخذ الأجرة على الواجب، وإن لم تثبت الملازمة فلم يكن كذلك.

الثاني: إنّ مقتضى دليلهم لحرمة أخذ الأجرة لا يختصّ بالواجبات العبادية، بل يشمل الواجبات التوصّلية من جهة، ولا يختصّ بالواجب من جهة أخرى، بل هناك بعض المستحبات العبادية التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها أيضاً؛ كالأذان.

أمّا من ذهب إلى حرمة أخذ الأجرة على الأمور العبادية، فقد استدلّ على مذهبه بأنّ صفة العبادية ­ سواء في الواجبات أم المستحبات ­ لما كان ملاكها الإتيان بالعمل قربة إلى اللهL؛ أي إنّ الداعي والباعث للإتيان بها هوY، فإذا أخذت الأجرة عليها كان الداعي هو العوض المالي، فلا تكون العبادة صحيحة، ويترتّب عليه بطلان الإجارة؛ لأنّ العمل المستأجر عليه فاسد، وبالتالي لا يصحّ أخذ الأجرة على الأمور العبادية في هذا الفرض.

ولكن بعض الأعلام ذهب إلى عدم المنافاة بين ملاك العبادية وأخذ الأجرة؛ بتوجيه أنّ الأجرة لم تكن على أصل العمل العبادي، وإنّما هي لتحريك الداعي وإحداثه إلى إيجاد العمل بداعي أمره؛ أي هي من قبيل الداعي إلى الداعي، وهذا لا يتنافى مع كون الداعي للإتيان بالعمل هو اللهY؛ فما العوض المالي إلا محرّك لهذا الداعي وداعٍ إليه.

وفيه: أنّ هذا الكلام لا بأس به ثبوتاً وإن ناقش فيه مثل السيد محسن الحكيم R بأنّ داعي الأمر المعتبر في صدق الطاعة والعبادة يعتبر فيه أن يكون بنحو يستحق به على الآمر الجزاء، وبه يكون متقرّباً إليه، والفعل الصادر على النحو المذكور ليس كذلك، ولذا لو أمر زيد بكراً بإطاعة عمرو فأطاعه، لم يستحقّ على عمرو ثواباً أصلاً، ولا يكون إلا مستحقاً على زيد لا غير؛ لأنّه إطاعة له دون عمرو.

وفيه: أنّ هذا الكلام إنّما يتم لو كان العبد يستحق على مولاه الأجر والثواب بإطاعته له، ولكنك عرفت فيما سبق أنّ العبد لا يستحق على مولاه ذلك؛ بحيث إذا لم يعطه أجره يكون ظالماً له، وإنّما يصبح العبد بإتيانه للوظيفة أهلاً ومحلاً للثواب.

وعليه، فالأجر من باب التفضل، فلا موقع لهذا الإشكال.

ومن هنا كان قياس هذا الأمر على ما لو أمر زيد بكراً بإطاعة عمرو في غير محلّه؛ إذ لا يعتبر في صدق الطاعة والعبادة أن يكون بنحو يستحق على مولاه الحقيقي الأجر والثواب.

هذا كله في مقام الثبوت، أمّا في مقام الإثبات، فإنّ المستأجِر لا يلتفت إلى أنّه يدفع الأجرة مقابل تحريك الداعي إلى الداعي، وإنّما يدفعها مقابل العمل العبادي نفسه. وعليه، إنّ هذا التوجيه وإن كان يصحّح العمل العبادي، إلا أنّ الأجر عند الناس يدفع مقابل العمل نفسه.

والإنصاف: أنّ العبادة إنّما تكون صحيحة بعد أن يُأمر بها من المولى، ويأتي بها المكلّف مضافة إلى اللهLعلى نحو قصد امتثال أمره، أو قصد محبته، أو الخوف منه، أو لأنّه أهل للعبادة... وعليه، يمكن تصحيح العمل العبادي وبالتالي تصحيح الإجارة ­ وإن كانت الأجرة على نفس العمل العبادي ­ من باب أنّ الأجير إنّما قام بالعمل مخافة ربهL، فالمخافة هي الداعي لعمله وليس العوض المالي؛ ذلك أنّه بإمكانه أن يدّعي القيام بالعمل المستأجر عليه ويتركه واقعاً، إلا أنّه لا يتركه مخافة من لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

بقي أن نشير إلى إشكال يتعلق بحقيقة الإجارة، فقد ذهب المشهور إلى أنّ الإجارة عبارة عن (دفع مال مقابل منفعة)؛ أي تبديل منفعة بمال، سواء كانت المنفعة راجعة للمستأجر نفسه؛ كما لو استأجره ليحجّ عنه، أو كانت راجعة لغيره؛ كما لو استأجره لقضاء الصلاة عن ميت، فإنّ المنفعة في هذا العقد لا ترجع إلى المستأجر نفسه، وإنّما ترجع إلى الميت المستأجَر عنه؛ لأنّ في الصلاة عنه إفراغاً لذمته. وعليه لو فرض أنّه لا منفعة من العقد تعود على المستأجر لم يقع إجارة؛ كما لو قال لزيد: (صلِّ صلاة الظهر الواجبة عليك مقابل خمسة دنانير).

وفيه: أنّه لا دليل على اشتراط المنفعة في تحقق الإجارة، وإنّما المناط فيها أن يملك المستأجِر عمل الأجير.

إن قلتَ: ولكن مِلك عمل الأجير بلا منفعة معاملة سفهية باطلة،

قلنا: إنّما قام الدليل على بطلان عمل السفيه لأنّه محجور عليه، أمّا المعاملة السفهية من غير السفيه، فلا دليل على بطلانها.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2548
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 28-11-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20