• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 158 _ المقصد الأول في الاوامر 90 .

الدرس 158 _ المقصد الأول في الاوامر 90

رأي صاحب هداية المسترشدين:

قال صاحب الهداية R: «والأظهر كما هو ظاهر الجمهور وجوب المقدمة من حيث إيصالها إلى أداء الواجب، فالمقدمة التي لا يتحقق بها الإيصال إلى الواجب واجب الحصول من حيث التوصل بها إلى الواجب، فيجب الإتيان بها والتوصل إلى الواجب من حينها، فإذا لم يتوصل المكلف بها إلى الواجب لم يخرج المقدمة عن الوجوب، فإذا وجب علينا شيء وجب الإتيان بما يتوقف عليه لا من جهة ذاته بل من حيث أدائه إلى الواجب، ويجب علينا الإقدام على فعل الواجب بعد الإتيان بمقدمته، فعدم الإقدام على الواجب بعد الإتيان بالمقدمة لا يخرج ما أتى به من المقدمة عن الوجوب فإنها واجبة من حيث كونها مؤدية إلى الواجب وإن لم يحصل التأدية إليه لإهمال المكلف، فإنّ عدم حصول الأداء بها لا ينافي اعتبارها من حيث كونها مؤدياً ليحكم بوجوبها من تلك الجهة»( ).

هذا ما ذهب إليه صاحب الهداية من أنّ المقدمة الواجبة هي المقدمة في حال الإيصال لا المقدمة المقيّدة به، خلافاً لأخيه صاحب الفصول، وقد تبعه عليه بعض الأعلام منهم الآغا ضياء الدين العراقي، والميرزا النائيني R مع اختلاف بسيط كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى؛ حيث قال: «إنّه ليس المراد تقييد الواجب بخصوص الموصلة؛ بأن يكون التوصل قيداً للواجب، بل يكون على وجه خروج القيد والتقييد معاً، ولكن مع ذلك لا تكون الذات مطلقاً واجبة بل الذات من حيث الإيصال، والمراد بالذات من حيث الإيصال هو الذات في حال الإيصال، على وجه يلاحظ الآمر المقدمة وذا المقدمة توأمين، من دون أن يكون أحدهما قيداً للآخر»( ).

وإنّما لجأ أصحاب هذا الرأي إلى هذه المقولة بعد ما وجدوا أنّه لا يمكن تقييد المقدمة بالإيصال كما عليه صاحب الفصول؛ للزوم المحاذير المتقدمة من الدور والتسلسل وغيرهما، وبالتالي لا يمكن الإطلاق؛ لأنّهما متقابلان تقابل العدم والملكة، فإذا امتنع أحدهما امتنع الآخر.

وعليه، فقد سلكوا مسلكاً وسطياً بين الأمرين وهو وجوب المقدمة في حال الإيصال لا على نحو التقييد، بل نظير الأوامر الضمنية المتعلقة بالأجزاء في المركّبات الارتباطية في اختصاص شمولها لكلّ جزء من المركّب بحال انضمام بقية الأجزاء أيضاً وقصورها بنفسها لضمنيّتها عن الشمول لجزء عند عدم انضمام بقية الأجزاء.

وكذلك الحال في المقدمة فهي واجبة في حال كونها موصلة إلى ذيها؛ بمعنى أنّ الآمر لاحظ المقدمة وذا المقدمة توأمين، فلمّا أوجب المقدمة لاحظها في هذه الحال لا كيفما كان؛ وكأنّ الإيصال من قبيل الجهة التعليلية لوجوب المقدمة لا الجهة التقييدية، فلا هي مشروطة به ولا خالية منه.

هذا ما يمكن تصويره لكلام صاحب الهداية، إلا أنّنا نجد في كلامه ما يجعله متهافتاً؛ إذ في الوقت الذي غاير القول بالإطلاق بناءً على ما ذهب إليه من أنّ المقدمة واجبة في حال الإيصال لا مطلقاً، نراه يقول: «فإذا لم يتوصّل المكلف بها إلى الواجب لم يخرج المقدمة عن الوجوب»؛ فإن كان عدم الإيصال لا يُخرج المقدمة عن الوجوب، فأي فرق بين مقالته وقول المشهور بوجوب مطلق المقدمة؟!

وعليه، فلا بدّ أن يكون الواجب هو خصوص ما كان ملازماً مع الإيصال بنحو لا يكاد ينفكّ في الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدمة ولو في حال الانفكاك عن الإيصال. وعليه، فالواجب بما هو واجب وإن لم يكن مقيّداً بقيد الإيصال، ولكنّه لقصور في حكمه عن الشمول لحال الانفكاك، لا يكون مطلقاً بنحو يشمل حال عدم الإيصال إلى وجود ذيه، فهو ­ أي الواجب ­ عبارة عن ذات المقدمة بما أنّها توأمة وملازمة مع الإيصال لا بشرط الإيصال، كما هو مقتضى كلام صاحب الفصول، ولا لا بشرط الإيصال كما هو مقتضى القول بوجوب المقدمة مطلقاً.

هذا خلاصة ما يمكن توضيحه أيضاً بالنسبة للمقدمة في حال الإيصال.

ومهما يكن من شيء، فقد ذكرنا سابقاً أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت واللحاظ هو من تقابل الضدين لا العدم والملكة. نعم، هما في مقام الإثبات من تقابل العدم والملكة؛ فإنّه حينما يريد الآمر الأمر بشيء يلحظ كل الخصوصيات معه، فإمّا أن يقيّده بها أو ببعضها، أو يقيّد بالعدم، أو يطلق، ولا يعقل الإهمال في هذا المقام؛ للزومه إمّا الجهل بخصوصية ما أو العجز عن التقييد بها، وكلاهما عليهLمحال.

وعليه، فلا يلزم من استحالة تقييد وجوب المقدمة بالإيصال استحالة الإطلاق أيضاً، بل استحالة التقييد تقتضي ضرورة الإطلاق. ومن هنا ذهبنا إلى أنّ الواجب مطلق المقدمة. وعليه، فلا نحتاج حينئذٍ إلى تكبّد عناء ما ذهب إليه صاحب الهداية ومن تبعه من الأعلام، خصوصاً مع ما فيه من كلام يصبّ في رافد الإطلاق.

ثمّ إنّ الميرزا قد اختلف مع صاحب الهداية فيما إذا كانت المقدمة محرّمة؛ كالتصرف في أرض الغير للإنقاذ، فذهب الميرزا إلى أنّ التزاحم واقع بين أمرين هما حرمة التصرف والوجوب النفسي، وهو وجوب الإنقاذ، بينما ذهب صاحب الهداية إلى أنّه واقع بين حرمة التصرف والوجوب الغيري المتعلّق بالسلوك، ومن هنا قال إنّ حرمة المقدمة مترتبة على مخالفة الوجوب الغيري.

وفيه: أنّ الترتب وإن كان ممكناً بل واقع، إلا أنّه هنا غير ممكن؛ وتوضيحه: بناءً على أنّ حرمة التصرف مشروطة بترك الإنقاذ؛ أي بعصيان الأمر بذي المقدمة، يكون وجوب المقدمة حينئذٍ مشروطاً بإطاعة الأمر النفسي المتعلق بالإنقاذ؛ إذ لو كان وجوب المقدمة وهو التصرف مطلقاً؛ ­ أي حتى في حال عصيان الأمر بذي المقدمة ­ لاجتمعت حرمته ووجوبه في آنٍ واحد، وهو محال، وبناءً على أنّ وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها إطلاقاً واشتراطاً، فإذا كان وجوب المقدمة مشروطاً بالإطاعة، فيكون وجوب ذي المقدمة مشروطاً بالإطاعة أيضاً؛ أي وجوب الإنقاذ مشروط بالإنقاذ؛ بمعنى أنّه إن أنقذ فعلاً أصبح وجوب الإنقاذ فعلياً، وما هذا إلا تحصيل للحاصل.

وإن لم يكن مشروطاً بالإطاعة، فيلزم المحذور السابق، وهو اجتماع الوجوب والحرمة على شيء واحد في زمان واحد؛ لأنّ الفرض أنّ وجوب المقدمة مطلق؛ أي ولو كان في حال عصيان الأمر بالأهمّ، ولأجل هذا الإشكال قلنا: إنّ الترتب هنا غير ممكن.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2544
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 21-11-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29