• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 157 _ المقصد الأول في الاوامر 89 .

الدرس 157 _ المقصد الأول في الاوامر 89

أدلة صاحب الفصول وصاحب العروة:

قال صاحب الكفاية R: «وقد استدل صاحب الفصول على ما ذهب إليه بوجوه... ما هذا لفظه: (والذي يدلك على هذا ­ يعني الاشتراط بالتوصل ­ أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية، فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور، وأيضاً لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم: أريد الحج، وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب، دون ما لم يتوصل به إليه... وصريح الوجدان قاض بأن من يريد شيئاً بمجرد حصول شي آخر، لا يريده إذا وقع مجرداً عنه، ويلزم منه أن يكون وقوعه على وجه المطلوب منوطاً بحصوله)».

يذكر صاحب الفصول R على ما ذهب إليه من أنّ الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة ثلاثة أدلّة، نذكرها ثمّ نعقبها بدليل رابع نسب إلى صاحب العروة السيد اليزدي R.

الدليل الأوّل:

إنّ الكاشف عن وجوب المقدمة هو العقل، وهو دليل لبّي يقتصر فيه حال الشك على القدر المتيقن؛ وحيث إنّنا لا ندري أنّ حكمه بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة هل هو لمطلق المقدمة أم لخصوص الموصلة منها، فنقتصر على الموصلة؛ لأنّها القدر المتيقن.

وفيه: أنّ العقل الحاكم بالملازمة دلّ على وجوب مطلق المقدمة؛ لوجود الملاك فيها. أضف إلى ذلك أنّ العقل لا يوجد عنده شك؛ لأنّه إن انكشف له الموضوع بتمام قيوده وحيثياته، يحكم، وإلا فلا يحكم، ولا يوجد عنده شك.

والخلاصة: إنّ العقل حاكم بوجوب مطلق المقدمة، فلا يكون ثمّة تردّد وشك ليقتصر في حكمه على القدر المتيقن وهو خصوص المقدمة الموصلة.

الدليل الثاني:

إنّ العقل لا يأبى أن يصرّح الآمر الحكيم بإرادة خصوص المقدمة الموصلة وعدم إرادة غير الموصلة، بل الضرورة قاضية بجواز ذلك، كما أنّها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقاً، أو على تقدير التوصّل بها إليه. وبناءً على جواز ذلك، لا توجد ملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مطلق المقدمة.

وفيه: أنّه ليس للآمر الحكيم أن يصرّح بذلك، وكيف يصحّ له أن يصرّح بذلك مع وجود الملاك في المقدمة غير الموصلة؟! فلا فرق حينئذٍ بين الموصلة وغيرها؛ فكما يقبح أن يصرّح بعدم إرادة المقدمة الموصلة، أيضاً يقبح منه أن يصرّح بعدم إرادة غيرها.

وبالجملة، فكيف يصرّح بأنّه لا يريد غير الموصلة، والحال أنّه يلزم من عدمها عدم ذيها؟! فإنّ في ذلك نقضاً لغرضه، وهو على الحكيم محال.

الدليل الثالث:

إنّ العقل يدرك أنّ ملاك الحكم بالوجوب الغيري للمقدمة هو إيصالها إلى ذيها، والحكم تابع لملاكه سعةً وضيقاً، ولا يزيد عليه. ومن هنا إذا أراد الآمر شيئاً، أراد خصوص مقدمته الموصلة؛ إذ لا غرض له في غير الموصلة.

وفيه: ليس ملاك الوجوب الغيري هو الإيصال حتى يكون الحكم تابعاً لهذا الملاك سعةً وضيقاً، وإنّما الملاك هو الاقتدار على الإتيان بذي المقدمة حين الإتيان بالمقدمة.

وإن شئت قلت: إنّه ليس ملاك إرادة المقدمة إلا استلزام عدمها عدم ذيها، وهذا الملاك موجود في جميع المقدمات الموصلة وغيرها، وبالتالي كلّ ما يلزم من عدمه عدم ذيها فهو واجب، وهذا الملاك يسع مطلق المقدمة.

دليل صاحب العروة:

قال صاحب الكفاية R: «ثم إنّه لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها، إلا فيما إذا رتب عليه الواجب لو سلم أصلاً، ضرورة أنّه وإن لم يكن الواجب منها حينئذٍ غير الموصلة، إلا أنّه ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدّمة، بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا، كما لا يخفى».

هذا هو الدليل الرابع لوجوب خصوص المقدّمة الموصلة، وهو منسوب لصاحب العروة R، وقد اعتُني به لحسنه وإن كان الرد عليه أحسن.

وحاصله: إنّ للمولى أن يحرّم المقدمة غير الموصلة، ومع إمكان تحريمها لا تكون واجبة، فينحصر الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة.

أجاب صاحب الكفاية على هذا الدليل بجوابين:

الأوّل: إنّ عدم اتصاف غير الموصلة بالوجوب، إنّما هو لأجل المانع، وهو التحريم، وليس عدم اتصافها بالوجوب لعدم المقتضي.

وإن شئت فقل: لا يوجد هناك قصور من حيث المقتضي، وإنّما كان هناك مانع من اتصافها بالوجوب، وهو تحريم الشارع لها. وفي هذه الصورة لا إشكال في عدم اتصافها بالوجوب الغيري، وليس الكلام في هذه الصورة، وإنّما الكلام في المقدمات المباحة، وهي واجدة للملاك وفاقدة للمانع.

الثاني: إنّه لا يمكن أن يحرّم المولى المقدمة غير الموصلة؛ للزومه أحد محذورين: إمّا جواز ترك ذي المقدمة اختياراً، أو طلب ما هو حاصل، وكلاهما باطل.

توضيح الملازمتين: إنّ المولى إذا حرَّم المقدمة غير الموصلة؛ أي حرَّم مطلق المقدمة إلا الموصلة منها إلى ذيها، فتكون كلّ مقدمة محرّمة قبل الإيصال. وعليه، فلا يكون ترك ذي المقدمة محرّماً، وبالتالي لا يعاقب المكلف على عدم الإتيان؛ لفرض أنّه غير قادر عليه بعد تحريم مقدماته، والممنوع الشرعي كالممتنع العقلي.

إن قلتَ: ولكن المولى لم يحرِّم المقدمة الموصلة، وبالتالي لا يكون المكلف معذوراً بترك ذي المقدمة؛ لقدرته عليه باعتبار أنّ المقدمة الموصلة مباحة، وليست محرّمة.

قلتُ: إنّ المقدمة الموصلة وإن كانت مباحة، إلا أنّ الإيصال لا يتحقق إلا بوجود ذي المقدمة؛ فعنوان الموصلية لا يتحقق للمقدمة إلا بعد ترتّب ذيها عليها؛ فإذا ترتّب ذوها عليها، فقد تحقق عنوان الموصلية. ومن الواضح حينئذٍ امتناع تعلّق الطلب بالواجب النفسي لكونه من طلب الحاصل.

وبعبارة مختصرة: الإباحة ثابتة للمقدمة الموصلة، والإيصال يتوقّف على الإتيان بذيها، وهو متوقف على الإتيان بها؛ فما لم يؤتَ بها لا تتّصف بكونها موصلة، وبعد الإتيان بذي المقدمة لا يمكن تعلّق الطلب بالواجب النفسي؛ لأنّه من طلب الحاصل.

لكن لم يرتضِ الشيخ النائيني هذا الجواب الثاني لأستاذه، وحاصل ما ذكره: إنّ قَصْر الرخصة على خصوص المقدمة الموصلة ممّا لا يلزم منه التكليف بغير المقدور؛ لأنّه يكون من قبيل اشتراط الشيء بأمر متأخّر؛ فالتوصّل وإن تأخر وجوده عن وجود المقدمة، وكان يحصل بالإنقاذ مثلاً، إلا أنّه أخذ شرطاً في جواز المقدمة، وهذا ممّا لا محذور فيه بعد ما كان الإنقاذ فعلاً اختيارياً للمكلف، فتكون شرطية التوصّل كشرطية الغسل للصوم.

وفيه: أنّ المشروط بالإيصال إمّا هو الحكم أي جواز المقدمة، أو المقدمة نفسها، فإن قلتَ أنّه المقدمة نفسها، فقد تقدّم بطلان هذا الوجه للزومه الدور؛ حيث يكون وجود المقدمة متوقفاً على ذيها، وذوها متوقف عليها. وإن قلتَ أنّ الحكم هو المشروط بالإيصال، فهو أوّلاً خروج عن محلّ الكلام؛ لأنّ الكلام أنّ الواجب هو المشروط بالإيصال، وثانياً إذا كان الجواز مشروطاً بالإيصال على نحو الشرط المتأخّر، فقد صرّحت من قبل أيضاً بعدم إمكانيته، وقد تبعناك عليه مُرجعين ما ظاهره كذلك إلى الشرط المقارن على نحو التعقّب. فالإشكال في غير محلّه.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2543
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 20-11-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19