• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 150 _ المقصد الأول في الاوامر 82 .

الدرس 150 _ المقصد الأول في الاوامر 82

أجاب صاحب الكفاية R: «وأما الثاني: فالتحقيق أن يقال: إنّ المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة، وغاياتها إنّما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات، فلا بد أن يؤتى بها عبادة، وإلا فلم يؤت بما هو مقدمة لها، فقصد القربة فيها إنّما هو لأجل كونها في نفسها أموراً عبادية ومستحبات نفسية، لا لكونها مطلوبات غيرية، والاكتفاء بقصد أمرها الغيري، فإنما هو لأجل أنّه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه حيث إنّه لا يدعو إلا إلى ما هو المقدمة، فافهم».

يجيب صاحب الكفاية عن منشأ عباديّة الطهارات الثلاثة والفرض أنّ الأمر فيها توصّلي لا يفيد التقرب، بأنّ العبادية إنّما نشأت من الأمر النفسي الاستحبابي المتعلق بها؛ فإنّها مستحبة بنفسها قبل عروض الأمر الغيري عليها، والأمر الغيري يتعلق بها بما هي مقدمة عبادية؛ أي مقدمة بالحمل الشايع؛ وهي الغسلات والمسحات مع قصد امتثال أمرها النفسي الاستحبابي؛ فالصلاة لا تتوقف على الغسلات والمسحات بما هي، بل المأتي بها بالأمر النفسي.

وعليه، لم تنشأ العبادية من الأمر الغيري ليرد إشكال الدور المتقدّم، وإنّما نشأت العبادية من الأمر النفسي الاستحبابي المتعلّق بهذه الطهارات الثلاثة.

ثمّ ذكر صاحب الكفاية أن غفلة المكلف عن هذا الأمر النفسي وإتيانه بالطهارات الثلاثة بالأمر الغيري لا تضرّ؛ لأنّ الأمر الغيري تعلق بالمقدمة بالحمل الشايع؛ أي الغسلات والمسحات بقصد امتثال الأمر النفسي الاستحبابي المتعلق بها، فبقصده الأمر الغيري يقصد الأمر النفسي ضمناً.

ويرد عليه: أنّ قصد الأمر الغيري إنّما ينفع مع التفات المكلف إلى الأمر النفسي المتعلق بالطهارات، وأمّا مع عدم علمه به وغفلته عنه رأساً، فكيف يقصده ضمناً؟!

وبعبارة أخرى: لا يمكن أن تكون داعويّة الأمر النفسي المتعلّق بالطهارات ناشئةً عن داعوية الأمر الغيري إلا مع الالتفات إلى الأمر النفسي. وأمّا مع الغفلة عنه أو القطع بعدمه، فلا تعقل الداعوية، فالإشكال محكم.

إشكال الميرزا:

مضافاً إلى إشكال الغفلة عن الأمر النفسي الذي ذكره صاحب الكفاية، يذكر الميرزا النائيني R إشكالين آخرين:

الأوّل: إنّما يتمّ الجواب المتقدم بالنسبة إلى الغسل والوضوء؛ حيث ثبت استحبابهما النفسي، إلا أنّ الأمر ليس مماثلاً بالنسبة إلى التيمم.

وفيه: أنّ التيمم شأنه شأن الغسل والوضوء من جهة كون التراب أحد الطهورين كما نصّت الأدلّة عليه. وقد عرفت أنّ الطهور مستحب في نفسه.

وعليه، فما ذكره جماعة من الأعلام من أنّ التيمم إنّما يشرع لغاية من الغايات المطلوبة؛ فإن كانت الغاية واجبة فيكون واجباً، وإن كانت الغاية مستحبّة فيكون مستحباً، في غير محلّه؛ لأنّ التيمم مشروع في نفسه كالوضوء والغسل.

الثاني: إنّه بعروض الأمر الغيري الوجوبي على الوضوء يرتفع الأمر النفسي الاستحبابي؛ إذ لا يمكن أن يجتمعا على الوضوء، وهما ضدّان. ومع ارتفاع الأمر النفسي الاستحبابي ينتفي منشأ العبادية المدعى، فيرجع الإشكال.

أجاب البعض عن هذا الإشكال بأنّ عروض الأمر الغيري لم يرفع الأمر النفسي، وإنّما اندكّا فاكتسب الأمر النفسي الاستحبابي خصوصية الوجوب من الأمر الغيري؛ بحيث لا يجوز تركه، واكتسب الأمر الغيري الوجوبي خصوصية الاستحباب من الأمر النفسي؛ بحيث صار عبادياً، ويكون الحاصل من هذه العملية وجود أمر واحد مؤكّد، ويكون هذا الأمر عبادياً.

وفيه: أوّلاً: إنّما يحصل الاندكاك فيما لو كان متعلّق الأمر الوجوبي والاستحبابي واحداً؛ كما لو نذر المكلّف أن يصلّي صلاة الليل، فعندنا أمر استحبابي متعلّق بصلاة الليل بما هي، وأمر وجوبي ناشئ من النذر متعلق بها بما هي أيضاً، فيندكّا؛ حيث تنتفي خصوصية جواز الترك من الأمر الاستحبابي مع بقاء ملاك المحبوبية.

وإنّما قلنا: أنّ الأمر الوجوبي الناشئ عن النذر تعلّق بصلاة الليل بما هي وليس بما هي مستحبة حتى يكون متعلقه غير متعلّق الأمر النفسي؛ لأنّه لو تعلّق بها بما هي مستحبة لامتنع الوفاء بالنذر؛ إذ كيف يُأتى بواجب بعنوان كونه مستحباً؟!

والخلاصة: إنّ الأمر الوجوبي الآتي من قبل النذر متعلق بعين ما تعلق به الأمر الاستحبابي، فيتبدل الأمر الاستحبابي بالأمر الوجوبي، ويكتسب الأمر الوجوبي التعبدية، فإنّ الأمر بالنذر وإن كان توصلياً في نفسه إلا أنّه اكتسب التعبدية بعدما تعلق بموضوع عبادي.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ مورد الاندكاك غير منطبق على ما نحن فيه؛ لأنّ الأمر النفسي الاستحبابي المتعلق بالوضوء قد تعلّق بالغسلتين والمسحتين، بينما تعلّق الأمر الغيري بهما بقصد امتثال الأمر النفسي، فاختلف متعلقهما.

وإن شئت قلت: إنّ الأمر إنّما يعرض على ما هو مقدمة بالحمل الشايع، والوضوء المأمور به بالأمر الاستحبابي يكون مقدمة. وبالجملة يكون حال الوضوء هنا حال صلاة الظهر؛ حيث اجتمع فيها أمران: أمر تعلّق بذاتها، وهو الأمر النفسي العبادي، ولمكان كون صلاة الظهر مقدِّمة لصلاة العصر؛ حيث إنّ فعلها شرط لصحتها قد تعلق بها أمر آخر مقدّمي؛ ولكن الأمر المقدمي قد تعلّق بصلاة الظهر بقيد كونها مأموراً بها بالأمر النفسي، وبوصف وقوعها عبادة امتثالاً لأمرها النفسي؛ حيث إنّ ذات صلاة الظهر لم تكن مقدمة لصلاة العصر، بل المقدمة هي صلاة الظهر المتعبد بها بالأمر النفسي، فاختلف موضوع الأمر النفسي مع موضوع الأمر المقدمي، ولم يتّحدا، فلا يمكن الاندكاك حينئذٍ.

ثمّ إنّ إشكال المحقق النائيني الثاني مرتفع أيضاً؛ لأنّ استحالة اجتماع الضدين إنّما هي إذا اجتمعا على متعلّق واحد، وقد عرفت أنّ متعلق الأمر النفسي يختلف عن متعلق الأمر الغيري.

ثمّ إنّ الميرزا أعطى حلاً خاصاً به لنشوء عبادية الطهارات الثلاثة؛ حيث قال: إنّ الوضوء إنّما يكتسب العبادية من ناحية الأمر النفسي المتوجه إلى الصلاة بما لها من الأجزاء والشرائط؛ بداهة أنّ نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة الفاتحة إليها من الجهة التي نحن فيها؛ حيث إنّ الوضوء قد اكتسب حصّة من الأمر بالصلاة لمكان قيديّته لها؛ كاكتساب الفاتحة حصتها من الأمر الصلواتي بعد ما كان الأمر الصلواتي عبادياً. وكذا الحال في الغسل والتيمم.

فإن قلتَ: نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة الستر والاستقبال إليها، فكيف اكتسب الوضوء العبادية ولم يكتسب الستر والاستقبال العبادية.

قلتُ: إنّ التفاوت بين الطهارات الثلاثة وغيرها من القيود التي لا يعتبر إيقاعها على وجه العبادية، إنّما هو من ناحية الملاك؛ حيث إنّ الملاك الذي اقتضى قيديّة الوضوء اقتضاه على هذا الوجه؛ أي وقوعه على وجه العبادية، بخلاف ملاكات سائر الشروط؛ حيث لم تقتضِ ذلك.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2536
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 24-10-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19