• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 148 _ المقصد الأول في الاوامر 80 .

الدرس 148 _ المقصد الأول في الاوامر 80

آثار الواجب النفسي والغيري:

قال صاحب الكفاية R: «تذنبيان: الأول: لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الأمر النفسي وموافقته، واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلاً، وأمّا استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته، ففيه إشكال، وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته، بما هو موافقة ومخالفة، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد، أو لثواب كذلك».

هذا البحث من تتمّة الواجب النفسي والغيري، وهو يتعلّق بآثارهما من حيث الثواب والعقاب؛ فقد اشتهر لدى الأعلام أنّ المكلف يستحق الثواب على فعل الواجب النفسي راجياً القربة منه تعالى، ويستحق العقاب على تركه له؛ لتجاوزه حدود مولاه، كما أنّ المعروف لديهم أنّ المكلف لا يستحق الثواب على فعل الواجب الغيري، كما لا يستحق العقاب على تركه.

نقول: أمّا الواجب النفسي، فالمشهور ما تقدّم من استحقاق الثواب على فعله، والعقاب على تركه، وتفصيله يتوقف على بيان معنى الاستحقاق، وقد ذكر له ثلاثة معانٍ:

الأوّل: أن يكون الاستحقاق بمعناه اللغوي المعروف، وهو من قبيل ما يستحقه الأجير على المستأجر فيما لو عمل له عملاً؛ بحيث لو لم يعطه هذا الحق لكان ظالماً له.

الثاني: أن يكون الاستحقاق بمعنى أنّه إن قام العبد بما أوجبه عليه مولاه صار قابلاً ومستأهلاً لتلقّي الفيوضات الربّانية من الثواب الجزيل الذي أعدّه له.

الثالث: أن يكون الاستحقاق من باب إيفاء المولى بوعده بإثابة العبد الممتثل لأوامره.

إذا عرفت ذلك، فنقول: أمّا المعنى الأوّل، فلا يمكن جريانه بين المولى وعبده؛ لأنّ العبد مملوك لمولاه يتصرّف به كيف يشاء، وما يأتي به العبد ممّا أوجبه عليه مولاه لا يعدو عن كونه وظيفته الواجبة عليه بمقتضى عبوديته، فلا يستحق عليه شيئاً. وأمّا المعنى الثاني والثالث، فهما مقبولان، وإن كان الثاني أوجه من الثالث، بل لعلّه الأقرب، وإن كان لفظ الاستحقاق بمعناه المعروف لا يشمله. وعليه، فلو قيل: إنّ العبد بإتيانه للواجب النفسي قربة إلى الله تعالى يصبح أهلاً وقابلاً للأجر والثواب، لكان أحسن من القول بأنّه يستحق الثواب على المولى.

هذا بالنسبة إلى دعوى الاستحقاق، وقد خالف الأشاعرة وبعض من علمائنا على رأسهم الشيخ المفيد R؛ حيث ذهبوا إلى أنّ الثواب على فعل الواجب النفسي ليس من باب الاستحقاق بأيّ معنى من المعاني المتقدمة، بل من باب التفضّل والامتنان منهY؛ كما منّ اللهYعلى العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وهدايتهم من الضلال، فإنّ رحمة الله واسعة، وفضله أوسع؛ قالL: «قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم »( ). وهذا المعنى لا بأس به أيضاً؛ لأنّ الاستحقاق بالمعنى الأوّل غير ممكن، وبالمعنيين الأخيرين خلاف الظاهر.

هذا بالنسبة إلى الواجب النفسي، أمّا الواجب الغيري، فقد ذكرنا أنّ المشهور عدم استحقاق الثواب على فعله بما هو، وعدم استحقاق العقاب على تركه كذلك. وقد ذهبت جماعة من الأعلام إلى أنّ المكلف إذا أتى بالواجب الغيري بداعي التوصّل إلى الواجب النفسي، استحقّ الثواب عليه كما يستحق الثواب على الواجب النفسي. وذهب البعض، ومنهم الآغا ضياء الدين العراقي R، إلى استحقاق العقاب بتركه أيضاً.

وإنّما ذهب المشهور إلى ذلك من باب أنّه لا مصلحة في الواجب الغيري، وبالتالي لا أمر مستقل فيه، وإنّما وجب لأجل الواجب النفسي؛ فلا مصلحة في طيّ المسافة نفسها، وإنّما المصلحة في الحج. ومن هنا لا يكون القيام بالواجب الغيري إطاعة، كما لا يكون تركه عصياناً. نعم، فعل الواجب الغيري يؤدّي إلى الإطاعة بامتثال الواجب النفسي، ولكنّه في نفسه ليس إطاعة. وكذلك تركه، فإنّه يؤدّي إلى العصيان بترك امتثال الواجب النفسي، ولكنّه في نفسه ليس عصياناً. ويدلّ على هذا المعنى أيضاً أنّه لو كان للواجب النفسي مقدمات عشرة تشكّل واجبات غيرية له، وأتى بها جميعاً مع الواجب النفسي، لم يستحق إلا ثواباً واحداً لا أحد عشر ثواباً، وكذا لو تركها جميعاً، فإنّه يستحق عقاباً واحداً لا أحد عشر عقاباً.

ثمّ أشكل المشهور على نفسه بأنّه ورد في كثير من الروايات ممّا يصل إلى حدّ التواتر المعنوي ما ينصّ على استحقاق المكلف الثواب على فعل المقدمات؛ كالتي دلّت على استحقاق الثواب على كل خطوة وقدم في طريق زيارة أمير المؤمنين والحسين J، بل في طريق العودة أيضاً رغم أنّ العودة لا تشكل مقدمة لها.

نذكر من هذه الروايات ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن همام، قال: «وجدت في كتاب كَتَبَه ببغداد جعفر بن محمد قال: حدثنا عن محمد بن الحسن الرازي، عن الحسين بن إسماعيل الصميري، عن أبي عبد الله N قال: من زار أمير المؤمنين N ماشياً كتب الله له بكل خطوة حجة وعمرة، فإن رجع ماشياً كتب الله له بكل خطوة حجتين وعمرتين»( ).هذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنّها واضحة الدلالة على إعطاء الثواب على المقدمة، بل هي صريحة في كون الثواب على الرجوع أكثر من الثواب على المشي إلى الزيارة.

وعن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن بشير، عن أبي سعيد القاضي قال: دخلت على أبي عبد الله N في غرفة له فسمعته يقول: من أتى قبر الحسين ماشياً، كتب الله له بكلّ خطوة وبكلّ قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل»( ). وهذه الرواية أيضاً وإن كانت ضعيفة السند، إلا أنّها واضحة الدلالة من هذه الجهة.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2534
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 22-10-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28