• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 145 _ المقصد الأول في الاوامر 77 .

الدرس 145 _ المقصد الأول في الاوامر 77

التقسيم الثالث: الواجب النفسي والغيري

قال صاحب الكفاية R: «ومنها: تقسيمه إلى النفسي والغيري، وحيث كان طلب شيء وإيجابه لا يكاد يكون بلا داع، فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب، لا يكاد التوصل بدونه إليه، لتوقفه عليه، فالواجب غيري، وإلا فهو نفسي، سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه، كالمعرفة بالله، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه، كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات».

هذا هو التقسيم الثالث للواجب، وهو تقسيمه إلى النفسي والغيري.

وقد عرّف المشهور الواجب الغيري بأنّه: (ما وجب لأجل التوصل به إلى واجب آخر)، والنفسي خلافه. ورغم ما ذكرناه سابقاً من أنّ التعاريف في مثل هذه المقامات تعاريف غير حقيقية، وإنّما هي تعاريف لفظية تشرح اللفظ بلفظ أوضح منه؛ كتعريف السعدانة بأنّها نبت، والغضنفر بأنّه أسد، إلا أنّ هذا التعريف لم يسلم من الإشكال عليه؛ فقد أُشكل بأنّه بناءً على هذا التعريف يلزم دخول أكثر الواجبات النفسية في الغيرية؛ لأنّ أغلب الواجبات النفسية وجبت لأجل ملاكاتها؛ فالصلاة وجبت لأجل المعراجية والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، والصوم وجب من أجل كونه جُنّة من النار، وهكذا.

نعم، استثنيت معرفة اللهL، فإنّه وجب لنفسه، ولكن هناك من ذهب إلى أنّه وجب أيضاً لأجل العبادة؛ لأنّ محبوبية المعرفة إنّما هي لأجل الشكر والحمد له سبحانه وتعالى؛ فالمعرفة مقدّمة لشكره وحمده، ومهما يكن، فإنّ الواجب النفسي بناءً على هذا التعريف يدخل في الواجب الغيري.

ودفعاً لهذا الإشكال قال بعض الأعلام أنّ كون الواجبات النفسية قد وجبت لأجل ملاكاتها لا يجعلها واجبات غيرية؛ لأنّ هذه الملاكات ليست تحت يد المكلف، وبالتالي هي ليست مقدورة له، فلا تكون واجبة.

وعليه، لا تكون الواجبات النفسية قد وجبت لأجل التوصّل بها إلى واجب آخر.

أمّا صاحب الكفاية، فلم يرتضِ هذا الدفع؛ لأنّ الملاكات وإن لم تكن مقدورة بنفسها، ولكن أسبابها ­ وهي الواجبات نفسها ­ مقدورة، والقدرة على السبب قدرة على المسبّب، فيبقى الإشكال المتقدم قائماً، وهو دخول الواجبات النفسية بأغلبها تحت الواجبات الغيرية.

وفيه: أوّلاً: أنّ العلاقة بين السبب والمسبب على ثلاث صور:

الأولى: فيما لو لم يتوسّط شيء بين السبب والمسبب؛ بحيث يحصل المسبب بمجرّد حصول السبب؛ كحصول الطهارة ­ بناءً على كون الطهارة هي الأثر الحاصل من الغسلتين والمسحتين أو من الغَسل ­ بمجرّد حصول الوضوء، وحصول الزوجية بمجرد العقد.

الثانية: فيما لو توسّط شيء اختياري بين السبب والمسبّب، كالخطوة الأولى في الصعود على السلم للكون على السطح.

الثالثة: فيما لو توسّط شيء غير اختياري بين السبب والمسبب؛ مثلاً بالنسبة إلى الصلاة، فهي سبب لتحقق المعراجية والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، إلا أنّه مجرد فعل المكلف للصلاة لا يحقق هذا الملاك المسبب، بل يتوسطهما أمور من قبيل تصفية الملائكة مثلاً، وهذا ليس اختيارياً للمكلف. ونظيره الزرع بالنسبة للأمور التكوينية؛ فإنّه لا يخرج السنبل بمجرّد الحرث والبذر والسقاية، بل لا بدّ من أمور أخرى خارجة عن اختيار المكلف؛ كهبوب الريح وشروق الشمس وغيرهما.

إذا عرفت ذلك، فنقول: أمّا في الصورة الأولى والثانية، فإشكال صاحب الكفاية وارد؛ لأنّ القدرة على السبب فيهما قدرة على المسبب، وبالتالي لا مانع من تعلّق الأمر بالمسبب، فتدخل الواجبات النفسية التي تكون فيها العلاقة بين السبب والمسبب من قبيل الصورتين الأوليين في الواجبات الغيرية.

أمّا ما نحن فيه، فهو من الصورة الثالثة التي لا يكون فيها تحصيل المسبّب باختيار المكلف، فلا يكون مقدرواً له، فلا يمكن أن يكون واجباً عليه، وبالتالي لا يكون السبب واجباً لأجل التوصّل إلى واجب آخر، فينتفي الإشكال.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2531
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 09-10-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28