• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 143 _ المقصد الأول في الاوامر 75 .

الدرس 143 _ المقصد الأول في الاوامر 75

جواب الشيخ النائيني:

أجاب الشيخ النائيني R على أستاذه مؤيّداً للشيخ الأنصاري برجوع القيد إلى المادة بأمرين:

الأمر الأوّل:

إنّ معنى الإطلاق الشمولي هو تعدد الحكم بتعدد أفراده؛ باعتبار وروده على نحو مطلق الوجود، بينما معنى الإطلاق البدلي هو تعلّق الحكم بالطبيعة على نحو صرف الوجود؛ حيث يكون لدينا حكم واحد ومتعلقه على البدل.

وعليه، إذا رجع القيد إلى المادة، فلا يمسّ الحكم، وإنّما تضيق دائرة متعلقه، بينما إذا رجع إلى الهيئة، رفعت اليد عن بعض الأحكام المتعددة بتعدّد الأفراد. والتصرف بالأفراد أولى من التصرف بالحكم، فيكون القيد راجعاً إلى المادة، وإطلاق الهيئة مقدّم على إطلاق المادة.

وفيه: أوّلاً: أنّ ملاك التقديم هو الأظهرية العرفية، وما ذكره الشيخ النائيني من أن التصرف بالأفراد أولى من التصرف بالحكم استحسان عقلي.

ثانياً: يذكر السيد الخوئي R أنّ ما قاله الأستاذ من أنّ رجوع القيد إلى المادة لا يلزمه التصرف في الحكم، وإنّما يلزمه تضييق دائرة متعلّقه، في غير محلّه؛ لأنّ رجوعه إلى المادة يلزمه أيضاً التصرّف في الحكم ولكن الحكم الترخيصي لا الإلزامي كما في رجوعه إلى الهيئة.

وتوضيحه: في الإطلاق البدلي كما في (أكرم عالماً) لدينا حكم واحد إلزامي، وهو الوجوب، ولكن بما أنّ الشارع قد أطلق الحكم ولم يقيّده بفرد خاص من الطبيعة، فلا محالة يستلزم عقلاً ثبوت الترخيص شرعاً في تطبيقها على أي فرد من أفرادها شاءه المكلف.

ومن هنا ذكرنا أنّ ثبوت حكم وجوبي بالإطلاق وعلى نحو صرف الوجود، يستلزم عقلاً ثبوت الترخيص في التطبيق شرعاً بالإضافة إلى تمام الأفراد. وعليه، فرفع اليد عن الإطلاق البدلي أيضاً يستلزم رفع اليد عن الحكم والتصرف فيه.

وبالجملة، لا فرق في رجوع القيد إلى المادة أو الهيئة من حيث كونه تصرفاً في الحكم، وإن كان الحكم المتصرَّف فيه في الأوّل ترخيصياً وفي الثاني إلزامياً، إلا أنّه في النهاية تصرف في الحكم، فلا يكون رجوع القيد إلى المادة مقدماً على رجوعه إلى الهيئة.

هذا ما ذكره السيد الخوئي، وهو في غير محلّه؛ لأنّ التخيير في تطبيقه على أي فرد من الأفراد هو تخيير عقلي لا شرعي، وعليه فهذا الترخيص الشرعي في التطبيق يكون إرشاداً لحكم العقل بذلك، وقد عرفت سابقاً أنّ الملاك في الحكم الإرشادي هو كون وجود الأمر وعدمه سيان، وفي المقام كذلك؛ لأنّه بعد حكم العقل بالتخيير في التطبيق على أي فرد من أفراد الطبيعة يكون الترخيص الشرعي في التطبيق مستغنياً عنه.

ثمّ إنّه ذكرنا في بعض الموارد المتعددة الفرق بين التخيير الشرعي والتخيير العقلي؛ فالتخيير الشرعي ما أخذ في لسان الدليل بعنوان (أو)؛ كما في قولهL: «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ »( ).

وأمّا التخيير العقلي، فلا دخالة للشارع فيه، بل التطبيق على الأفراد بيد العقل؛ كما في قولك: (آتني بماء)، فإنّ تطبيقه على أي فرد من أفراد الماء إنّما هو بالعقل.

والخلاصة: لا يوجد في الإطلاق البدلي أحكام شرعية مولوية متعدّدة ترخيصية حتى يقال: كما أنّه في الإطلاق الشمولي إذا رجع القيد إلى الهيئة يكون ذلك تصرّفاً في الحكم، فكذلك إذا رجع إلى الإطلاق البدلي.

الأمر الثاني:

صحيح أنّ الإطلاق يحتاج إلى مقدمات الحكمة، وأنّه ليس بالوضع كما العموم، ولكن هذه المقدمات تزيد وتنقص بحسب المورد؛ ففي الإطلاق الشمولي نحتاج إلى ثلاث مقدّمات فقط، هي: أن يكون المتكلم في مقام البيان، وأن لا ينصب قرينة على الخلاف، وأن يكون اللفظ مقسماً. وعليه، فتكفي هذه المقدمات لتحقّق الإطلاق الشمولي، فحتى لو كانت الأفراد الخارجية غير متساوية الأقدام من حيث شدة الملاك، إلا أنّها تكون متساوية من حيث الحكم؛ فالشارع حينما حرّم قتل النفس المحترمة ولم يقيّدها بقيد، كانت أفراد النفس المحترمة متساوية من جهة حرمة القتل، وإن كانت غير متساوية الأقدام من حيث الملاك؛ إذ لا إشكال في أنّ ملاك حرمة قتل نفس النبي C أو الوصي N أشدّ بمراتب من ملاك حرمة قتل نفس غيره، وكذا حرمة الزنا، فإنّ ملاك حرمة الزنا بالمحارم أشدّ بمراتب من ملاك حرمة الزنا بغيرهم.

وبالجملة، فإنّ مفاد الإطلاق الشمولي هو ثبوت الحكم لتمام الأفراد بشتّى أشكالها على نسبة واحدة، ولا أثر لتفاوت الأفراد في الملاك شدة وضعفاً. هذا بالنسبة للإطلاق الشمولي.

أما الإطلاق البدلي، فنحتاج إلى مقدمة رابعة، وهي إحراز أنّ الأفراد متساوية من حيث الوفاء بغرض المولى، فلو احتملنا أنّ بعضها قد لا يكون وافياً بغرضه، فلا يسقط التكليف به؛ كما لو قال: (أكرم عالماً)، ثمّ قال: (لا تكرم الفاسق)، فنحتمل أنّ إكرام العالم الفاسق لا يفي بغرض المولى من إيجاب إكرام العالم؛ حيث يكون الإطلاق الشمولي في (لا تكرم الفاسق) قرينة على عدم تساوي أفراد العالم، فلا يكون إكرام العالم الفاسق مسقطاً للتكليف.

والخلاصة: إنّ الإطلاق البدلي يحتاج إلى مقدمة أخرى زائدة عن المقدمات المذكورة، وهي إحراز تساوي أفراده في الخارج في الوفاء بالغرض. ومن الطبيعي أنّه لا يمكن إحراز ذلك مع وجود الإطلاق الشمولي على خلافه؛ حيث إنّه يكون صالحاً لبيان التعيين في بعض الأفراد، ومعه لا ينعقد الإطلاق البدلي.

وفيه: أنّه يكفي في الحكم بالإجزاء بكل فرد من أفراد الطبيعة المتعلّقة للأمر عدم ورود القيد، وعدم ذكره في ناحية المتعلق، ولا يحتاج بعد المقدمات الثلاثة المتقدمة إلى شيء آخر في إحراز تساوي الأفراد في الوفاء بالغرض. وعليه، فلو كان بعض الأفراد مشتملاً على خصوصية زائدة، لكان على المولى بيانها، فمن عدم البيان نستكشف عدم الفرق بين الأفراد من حيث الوفاء بالغرض. ومن هنا كان ديدن العلماء هو التمسك بالإطلاق في حال الشك في وفاء بعض الأفراد بغرض المولى.

وبالجملة، فالمقدمات الثلاثة كافية في الإطلاقين الشمولي والبدلي؛ إذ من نفس الإطلاق نستفيد أنّ الأفراد متساوية الأقدام من حيث الحكم والوفاء بغرض المولى بلا حاجة إلى قرينة.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2529
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 07-10-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29