• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 118 _ المقصد الأول في الاوامر 50 .

الدرس 118 _ المقصد الأول في الاوامر 50

الملازمة بين الإجزاء والتصويب:

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «الثاني: لا يذهب عليك أنَّ الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات، على ما عرفت تفصيله، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد، فإنَّ الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها، فإنَّ الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات».

ذكرنا سابقاً أنَّ القول بالسببية يلزم منه التصويب، لا سيّما بالنسبة إلى القسم الأوّل والثاني، واختُلف في القسم الثالث؛ حيث ذهب البعض، ومنهم القائلون بها على هذا النحو، إلى عدم لزوم التصويب، بينما ذهب آخرون إلى لزومه.

أمّا الإجزاء في الطرق والأمارات، فالمعروف بين الأعلام، ومنهم صاحب الكفاية كما يذكر في هذا التذنيب الثاني، نفي الملازمة بينه وبين التصويب المجمع على بطلانه؛ لأنَّ مفاد الإجزاء سقوط الأمر الواقعي؛ بحيث لا يكون المكلّف مطالباً به، مع بقائه وعدم تبدّله وانتفائه بقيام الأمارة على خلافه، وإنَّما المنتفي في غير موارد إصابة الواقع هو الحكم الفعلي البعثي، ولذا قلنا باشتراكه بين العالم والجاهل، وليس معنى الإجزاء حصر الحكم الواقعي بمؤدّى الأمارة ليلزم منه التصويب.

وممّا يدلّ على نفي الملازمة بين الإجزاء والتصويب، هو أنَّ مورد الأمارة الشك في الحكم الواقعي؛ إذ لا يمكن أن يتعبّدنا الشارع بالظن بالحكم الواقعي مع إمكان العلم به، وموضوع الأصل العملي الشك في الحكم الواقعي. وعليه، في كليهما شك في الحكم الواقعي؛ أي هناك حكم واقعي لا يتغيّر ولا يتبدل بقيام الأمارة أو الأصل العملي، لا أنَّ الحكم الواقعي محصور بمؤدّيهما، كما هو التصويب.

وفيه: صحيح أنَّ القول بالإجزاء لا يلزمه التصويب؛ لأنَّ مفاد الإجزاء سقوط الحكم الواقعي؛ بحيث لا يكون المكلف مطالباً به، إلا أنَّ الكلام عن انحفاظ الحكم الواقعي بمرتبته الإنشائية لا يناسب الردّ على نفي الملازمة، وإنَّما يناسب كيفية الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

ثمَّ إنَّ ما ذكره صاحب الكفاية من أنَّ المنتفي في غير موارد إصابة الواقع هو الحكم الفعلي البعثي، في غير محلَّه؛ فالصحيح أنَّ المنتفي هو خصوص الحكم البعثي، والمراد منه الحكم المنجّز على ما يظهر، ولا ينتفي الحكم الفعلي؛ لأنَّ فعلية الحكم متوقفة على فعلية موضوعه، ولا ربط للعلم به في فعليته، نعم يتوقف تنجّزه على وصوله إلى المكلف.

لزوم حجية الحكم الظاهري لدى البعض حجيته لدى غيرهم:

بقي أن نشير إلى مسألة لم يتطرق إليها صاحب الكفاية، وحاصلها: هل قيام الحكم الظاهري على شيء لدى أحد، يلزمه نفاذه وحجيته لدى غيره؟ مثلاً: من قامت لديه أمارة على كفاية المرّة الواحدة في تطهير الثوب من البول، فهل يمكن لغيره ممّن قامت لديه أمارة على عدم كفاية المرّة الواحدة في التطهير من البول أن يبني على طهارة الثوب لو طهّر مرة واحدة؟

وكذا من قامت لديه الأمارة على عدم وجوب السورة، فهل يمكن لغيره ممّن قامت لديه الأمارة على وجوبها أن يأتمّ به؟

وكذا من قامت لديه الأمارة على عدم اشتراط العربية في صيغة عقد النكاح، فهل يجب على غيره ممّن قامت لديه الأمارة على اشتراطها أن يرتّب آثار العقد الصحيح من حرمة الزواج من هذه المرأة، وانتظار عدّتها بحال طلقها زوجها؟

الجواب: أمّا بالنسبة للزواج والطلاق، فإنَّ السيرة العملية الممتدة من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا قائمة على ترتيب آثار الزواج والطلاق الصحيحين بين شتّى المذاهب، بل وجب ترتيب آثار الزواج والطلاق الصحيحين على كلّ زواج وطلاق بين جميع الملل وإن كانوا كفاراً؛ إذ «لكل قوم نكاح»؛ كما ورد في خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نهى رسول الله  (صلى الله عليه وآله) أن يقال للإماء: يا بنت كذا وكذا، وقال: لكل قوم نكاح»([1]). ومن هنا لو أقرّت الكنيسة ما يحدث في الغرب من المساكنة بين الرجل والمرأة، واعتبرته زواجاً، لتعاملنا معه معاملة الزواج الصحيح.

أمّا في غير الزواج والطلاق، فإنَّ مقتضى القاعدة أنَّ الحكم الظاهري الثابت لدى أحد لا يكون لمجرّد ذلك نافذاً وحجة لدى غيره.

نعم، ذهب البعض إلى أنَّ الطهارة والنجاسة من قبيل الزواج والطلاق؛ باعتبار أنَّ المعصوم (عليه السلام) لم يأمر من يزاول العامة أن يطهّر ثوبه ويعيد صلاته مثلاً، مع الاختلاف بيننا وبينهم في شرائط التطهير كما لا يخفى، وهذا ما يدلّ على أنَّ الحكم الظاهري لديهم نافذ لدينا.

وفيه: أنَّه يحتمل أن يكون ذلك من باب أنَّ المتنجّس لا ينجّس فلا نعلم حينئذٍ بانتقال النجاسة، أو من باب أنَّ غيبة المسلم مع شرائطها مطهّرة، وعليه فلا يمكن عطف مسألة الطهارة والنجاسة على مسألة الزواج والطلاق.

ويبقى أن نشير إلى مسألة، وهي أنَّ الفقيه إذا أفتى بشيء لا تكون فتواه نافذة في حقّ غيره الذي لا يقلّده، إلا إذا حكم، فلا تجوز مخالفته حينئذٍ إلا في حال العلم الوجداني بالمخالفة؛ ذلك أنَّ الغاية من القضاء فصل الخصومة، فلو لم يكن حكمه نافذاً لانتفت. وعليه، فلا يجوز للمتخاصمين إعادة الدعوى عند ذلك الحاكم مرّة ثانية، أو عند حاكم آخر رضيا بها أم لم يرضيا، كما لا يجوز للحاكم سماعها، والله العالم.

 

([1]) تهذيب الأحكام باب من الزيادات في فقه النكاح ج7، ص472، ح99. والرواية معتبرة إن قلنا أنَّ الموجود في السند هو وهيب بن حفص كما هو الأقرب، لا وهب؛ إذ لا وجود له بهذا العنوان عند الأعلام.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2504
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 30-05-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29