• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 114 _ المقصد الأول في الاوامر 46 .

الدرس 114 _ المقصد الأول في الاوامر 46

ومهما يكن من شيء، فإنَّه بناءً على صوابية هذا المعنى الثالث للسببية، فلا بدّ من القول بالإجزاء؛ لفرض حصول تدارك المصلحة الفائتة من خلال سلوك مؤدّى الأمارة، بلا حاجة إلى التمسك بالإطلاق، فضلاً عن كون المولى في مقام بيان إمضاء الحجية للأمارة، وليس في مقام بيان أنَّه إذا انكشف أنَّ الأمارة على خلاف الواقع، وأنَّها غير وافية بتمام المصلحة، يجب تداركها أو لا.

أمّا ما ذهب إليه القائلون بهذه السببية من أنَّه لا إجزاء للعمل على طبق الأمارة بحال انكشف الخلاف خارج الوقت، وبالتالي يجب القضاء، فإنَّ مردّ هذا الكلام إلى تبعية القضاء للأداء الذي ثبت عدمه؛ ذلك أنَّ الأمر بالواجب مركّب على نحو وحدة المطلوب، وبالتالي إذا تعذّر جزء أو شرط منه؛ كالوقت في مثالنا، سقط الأمر، فنحتاج إلى دليل خاص على وجوب الباقي؛ وهو وجوب قضاء الصلاة خارج الوقت.

وعليه، لا وجه للقول بعدم الإجزاء ووجوب القضاء خارج الوقت بعد دعوى تدارك المصلحة الفائتة بسلوك مؤدّى الأمارة من جهة، وبيان عدم تبعية القضاء للأداء من جهة أخرى.

الخلاصة: إنَّ السببية بمعانيها الثلاثة باطلة، إلا أنَّه بناءً على صحتها فهي مجزية بأقسامها الثلاثة، أمّا بناءً على أنَّ الأمارات مجعولة على نحو الكاشفية، فإنَّ العمل على طبقها لا يجزي عن المأمور به بالأمر الواقعي مطلقاً؛ لا في الوقت ولا خارجه، لا في العبادات، ولا في المعاملات، وسواء انكشف الخلاف بالعلم الوجداني أم التعبدي.

أدلّة إجزاء الأمر الظاهري مطلقا:

ذهبت جماعة من الأعلام إلى إجزاء الأمر الظاهري مطلقاً، وقد استدلّوا ببعض الأدلّة، منها:

الدليل الأوَّل:

إنّ القول بعدم إجزاء الأمر الظاهري من الأمارات والأصول العملية عن الأمر الواقعي يلزمه الحرج، وإنّما يكفي الحرج النوعي في نفي الحكم، ولا يعتبر الحرج الشخصي حتى يدور الإجزاء مداره؛ ونظير ذلك: قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)؛ حيث يكفي الضرر في الجملة لنفي الحكم، ولو بالنسبة لبعض الأشخاص وفي بعض الأحوال؛ أي يكفي الضرر النوعي.

وعليه، فمسألتنا من هذا القبيل؛ حيث يكفي في ثبوت الإجزاء لزوم الحرج من عدمه، ولو في بعض الأحوال ولبعض الأشخاص. وقد استفدنا ذلك من عدّة موارد؛ كالشفعة التي أثبتت أدلّتها الحق للشريك بأولوية شراء حصة شريكه معلّلة بالضرر، مع أنَّه لا يلزم الضرر دائماً من بيع الشريك حصته على غير شريكه، ممّا يكشف عن أنَّ المراد هو الضرر النوعي لا الشخصي. وهذا ما دلّ عليه خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار»([1]).

والجواب: صحيح أنَّه لا يشترط الضرر الشخصي لثبوت حق الشفعة، إلا أنَّ الضرر المعلّل به حكم الشفعة، هو حكمة للحكم وليس علّة له؛ فإنَّ الله تعالى لمكان فضله على الناس جعل الأخذ بالشفعة لحكمة استلزام الضرر بالنسبة لنوع الناس، ولكن هذه الحكمة صارت سبباً لجعل حكم إلهـي على جميع الناس، وإلا فليس من شأن الحكمة الاطراد.

وعليه، فلا معنى لدعوى الضرر الشخصي. أضف إلى ذلك أنَّ الخبر ضعيف السند بعدم وثاقة كلّ من محمد بن عبد الله بن هلال، وعقبة بن خالد، ولكن هذا الضرر غير الضرر المنفي بمثل قوله (صلى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار» الوارد في قضية سمرة بن جندب في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إنَّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنَّه لا ضرر ولا ضرار»([2]).

كما أنَّ هذا غير الحرج المنفي بقوله تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»([3])؛ فإنَّ الضرر والحرج في مثل ذلك إنَّما يكون علّة لنفي الحكم الضرري والحرجي، وتكون أدلّة نفي الحرج والضرر حاكمة على الأدلة الأوّلية حكومة بمنـزلة التخصيص، وقد فهم منها خصوص الحرج والضرر الشخصيين، وعليه لا تنفع هذه الأدلة لإثبات الإجزاء إلا في خصوصهما؛ حيث يرتفع وجوب القضاء.

وعليه، فلا يمكن القول بعدم وجوب القضاء بالنسبة لجميع الناس لأجل استلزام القضاء الحرج في الجملة بالنسبة لبعض الناس. أضف إلى ذلك أنَّ أدلة نفي الحرج والضرر إنَّما تنفيان الأحكام الحرجية والضررية، وليس شأنهما الإثبات. وعليه، فلا يثبت الإجزاء، والله العالم.

 

([1]) وسائل الشيعة باب ثبوت الشفعة في الأرضين والدور ج25، ص400، ح1.

([2]) وسائل الشيعة باب عدم جواز الإضرار بالمسلم ج25، ص428، ح3.

([3]) سورة الحج، الآية: 78.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2500
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 23-05-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12