• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 109 _ المقصد الأول في الاوامر 41 .

الدرس 109 _ المقصد الأول في الاوامر 41

تحرير محل النـزاع: بعد بيان معنيي الحكم الظاهري، وقبل الخوض في محلّ النـزاع، لا بدّ أنَّ نحرر محلّه لنعرف أي من المسائل داخلة فيه، وأيّها خارجة عنه، فنقول: أمّا المسائل الخارجة عن محل النـزاع، فهي أربعة:

أوّلاً: (الأمر الظاهري العقلي)

لا إشكال في خروج الأوامر الظاهرية العقلية من العلم والبراءة العقلية والظن الانسدادي على الحكومة، فإنَّ كلاًّ من هذه الثلاثة خالية من حكم شرعي مأمور به، وعليه لا معنى للنـزاع في كون المأمور به بالأمر الظاهري العقلي مجزياً عن المأمور به بالأمر الواقعي؛ فسواء قطع المكلف بعدم وجوب شيء مثلاً، أو قطع بحكم كان متعلقاً بموضوع آخر غير موضوع الأمر الظاهري؛ كما إذا قطع بوجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة تعييناً في زمان الغيبة، فانكشف وجوب صلاة الظهر كذلك، أو أجرى البراءة العقلية في وجوبه، أو عمل بالظنّ على عدم وجوب شيء استناداً إلى انسداد باب العلم والعلمي وكان تقرير الظنّ على الحكومة، فإنَّه في كلّ من هذه الحالات الثلاثة لو انكشف أنَّ الواقع هو الوجوب، لم يكن العمل طبقها مجزياً؛ لأنَّ كلاًّ منها لا يغيّر الواقع المطلوب امتثاله، وعليه تجب الإعادة أو القضاء.

ثانياً: (الخطأ في التطبيق)

وكذا من الموارد الخارجة عن محلّ النـزاع ما لو أخطأ المكلف في تطبيق دليل من الأدلّة سواء من ناحية الدلالة أم السند، فإنّه لا معنى للنـزاع حينئذٍ في الإجزاء وعدمه؛ إذ الخطأ في التطبيق لا يغيّر الواقع المطلوب امتثاله كما تقدم.

ومثاله: ما لو استظهرنا الإطلاق من آية التيمّم، فذهبنا إلى عدم وجوب الإعادة بحال بادر المكلّف إلى الصلاة مع التيمم، ثمَّ ارتفع العذر داخل الوقت، فإذا تبيّن لنا بعد ذلك أنَّه لا إطلاق في الآية الشريفة لأنَّها في مقام بيان أصل تشريع بدلية الطهارة الترابية عن المائية، ومهملة من جهة وجوب الإعادة بحال ارتفاع العذر في داخل الوقت، فلا معنى للنـزاع في الإجزاء وعدمه، بل لا بدّ من الإعادة.

وكذلك ما لو فهمنا دلالة الواو على مطلق الجمع دون الترتيب في حسنة زرارة قال: «قلت: كيف يغتسل الجنب؟ فقال: إن لم يكن أصاب كفه شيء غمسها في الماء، ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه»([1])، فإنَّه إن تبيّن لنا بعد ذلك أنَّها دالّة على الترتيب بين الجانبين، وكنّا متوهّمين دلالتها على مطلق الجمع، فلا بدّ حينئذٍ من الإعادة، ولا معنى للنـزاع في الإجزاء وعدمه.

وكذلك لو كان الاشتباه في سند رواية فيها ابن سنان، فتوهّمنا أنَّه عبد الله بن سنان الثقة، فعملنا على طبقها، ثمَّ انكشف أنَّه محمد الضعيف، فهنا أيضاً لا يكون العمل بالراوية مجزياً. وكذلك إذا اعتقدنا أنَّ الرواية مسندة، فعملنا على طبقها، ثمَّ تبيّن أنَّها مرسلة، وهكذا.

ثالثاً: (الأمارة أو الأصل العملي الجاريان في الموضوعات والأحكام الجزئية).

فلو قامت بيّنة على أنَّ هذا المائع ماء، فتوضأنا به وصلّينا، ثمَّ انكشفت خمريته، وجب التطهير وإعادة الوضوء والصلاة، ولا معنى للنـزاع في إجزاء العمل على طبق الأمارة في الموضوعات وعدم إجزائه؛ ذلك أنَّها لا تغيّر في الواقع شيئاً، حتى المصوّبة من الأشاعرة والمعتزلة لم يذهبوا إلى ذلك، وإنّما ذهبوا إلى أنَّ الأمارة تغيّر الواقع الحكمي لا الموضوعي.

ومثله ما لو علمنا أنَّ هذه الدار لزيد، ثمَّ شككنا بانتقالها عنه، فاستصحبنا بقاءها على ملكيته واشتريناها منه، ثمَّ انكشف أنَّها كانت حين الشراء على ملك غيره، هنا لا معنى للنـزاع أيضاً؛ لأنَّ البيع في غير محلّه قطعاً لوقوعه في غير ملك البائع، وهكذا.

رابعاً: هذه المسألة الرابعة التي اختلف في خروجها عن محل النـزاع، وهي فيما لو دلّت رواية على عدم وجوب شيء مثلاً، ثمَّ جزمنا بوجوبه؛ حيث انكشف الواقع بالقطع، هنا ذهب البعض إلى خروج هذه المسألة عن محل النـزاع؛ حيث ذهبوا إلى عدم الإجزاء، بينما ذهب آخرون إلى دخولها في محلّه. وسيأتي إن شاء الله المزيد من هذا الكلام.

إذا عرفت ذلك، فإنَّ محل النـزاع يقع فيما لو قام الأصل العملي الشرعي على شيء، وعملنا على طبقه، ثمَّ عثرنا على آية أو رواية تخالف مقتضاه، أو عملنا بإطلاق لم نجد له مقيّداً، أو بعموم لم نجد له مخصصاً، ثمَّ وجدنا بعد ذلك رواية مقيّدة أو مخصصة، أو عملنا على طبق رواية دلّت على جزئية شيء أو شرطيته أو عدم مانعيته، ثمَّ عثرنا على معارض لها أقوى منها، وهكذا، فهنا يأتي النـزاع في أنَّ ما أتى به المكلف على طبق الأصل أو العموم أو الإطلاق مجزٍ أم لا؟

والأقوال في المسألة كثيرة، منها:

الأوّل: القول بالإجزاء مطلقاً، سواء بالنسبة إلى الإعادة أو القضاء، وممن ذهب إلى ذلك السيد البروجردي (رحمه الله).

الثاني: ما ذهب إليه جماعة كثيرة من الأعلام، وهو القول بعدم الإجزاء مطلقاً.

الثالث: القول بالإجزاء في خصوص الأصول دون الأمارات، وممَّن ذهب إلى ذلك صاحب الكفاية (رحمه الله)، وقد تردّد في الاستصحاب لما له من جهة كاشفية كالأمارة، ولكن قوّى كونه كأصالة الطهارة والحلية الظاهريتين.

الرابع: القول بالإجزاء في الأمارات بناءً على القول بالسببية وعدمه بناءً على الطريقية.

هذا هو المهم من الأقوال التي ذكرها العلماء (رض).

ثمَّ إنَّ البحث يقع في مقامين: الأوّل: نتكلم فيه عن الأحكام الظاهرية الثابتة بالأصول العملية الشرعية، والثاني: نتكلم فيه عن الطرق والأمارات.

 

([1]) وسائل الشيعة باب 26 من أبواب الجنابة ج2، ص229، ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2495
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 15-05-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12