• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 87 _ المقصد الأول في الاوامر 19 .

الدرس 87 _ المقصد الأول في الاوامر 19

وأمّا بالنسبة لعدم إمكان الامتثال، فتوضيحه: إنَّ المقدور هو الإتيان بنفس متعلق الأمر، وهو الصلاة مثلاً، وأمّا الإتيان به مقيداً بدعوة أمره، فهو غير مقدور للمكلف؛ إذ المفروض وحدة الأمر المتعلق بذات الصلاة، والإتيان بالمتعلق بدعوة الأمر موقوف على أمر آخر متعلّق بما تعلق به الأمر الأوّل، ليكون مفاد الأمر الثاني وجوب إتيان الأمر الأوّل بداعي أمره؛ بحيث يكون الأمر الأوّل موضوعاً للأمر الثاني، والمفروض أنَّه لا أمر آخر في المقام، فلا يمكن الامتثال حينئذٍ.

وخلاصة الكلام بعد كلام طويل لصاحب الكفاية بعنوان (إن قلتَ قلتُ): إنّه لا يمكن أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّقه؛ لعدم القدرة على الامتثال، ولكن سوف نذكر ­ إن شاء الله تعالى ­ كلاماً متيناً ندفع به إشكال الدور بأحسن ممّا دفعه به صاحب الكفاية، وإن كنّا قبِلنا دفعه به، كما سندفع به إشكال عدم القدرة على الامتثال. كما سنذكر أيضاً أنَّه لا يمكن أن يكون قصد امتثال الأمر ممّا يعتبره العقل، كما ذهب إلى ذلك صاحب الكفاية؛ حيث اعتبر أن قصد الامتثال من كيفيات الإطاعة التي هي موكولة إلى نظر العقل من دون أن يكون للشارع دخل في ذلك.

المحاولة الثانية: وهي للميرزا النائيني (رحمه الله) وحاصلها: إنَّه في مرحلة الإنشاء والجعل يفرض المولى وجود الموضوع وقيوده ثمَّ يرتّب الحكم عليه؛ فإذا أراد إيجاب الحج مثلاً، يفرض بالغاً عاقلاً مستطعياً له زاد وراحلة ومخلّى السرب، ثمَّ يوجب الحج عليه على نحو القضية الحقيقية.

ومن هنا كان مرجع القضية الحقيقية إلى قضية شرطية مقدّمها ثبوت الموضوع، وتاليها ثبوت الحكم؛ فقضية (المستطيع يجب عليه الحج)، مرجعها إلى (من استطاع وجب عليه الحج).

ثمَّ إنَّ بعض ما يعتبر في الموضوع قد يكون مقدوراً للمكلف، وبالتالي يمكن تعلّق التكليف به؛ (الاستطاعة)؛ فإنَّ المكلف قادر على تحصيلها وإن لم يوجبها الشارع. وقد يكون غير مقدور للمكلف، وبالتالي لا يمكن تعلّق التكليف به؛ للزومه التكليف بما لا يطاق، وهو محال عليه سبحانه وتعالى، (البلوغ) و(العقل) و(زوال الشمس)؛ فإنَّ المكلف غير قادر على تحصيلها، إلا أنَّ الموضوع مع قيوده من كلا القسمين، وبقطع النظر عن إمكانية تعلق التكليف بهما، لما أخذا مفروضي الوجود في مقام الجعل والتشريع سواء من ناحية العرف؛ كما بالنسبة إلى القسم الأوّل، أم من ناحية العقل؛ كما بالنسبة إلى القسم الثاني؛ حيث يستحيل تعلق التكليف به.

وبناءً عليه، لمّا كان الأمر في مقامنا مأخوذاً مفروض الوجود؛ حيث إنَّه متعلّق القصد، وهو غير اختياري؛ لأنَّ الأمر بيد المولى سبحانه وتعالى، فله أن يأمر، وله أن لا يأمر، ولا قدرة للمكلف عليه.

ثمَّ إنَّ هناك محذورين يلزمان من أخذ قصد الأمر في متعلقه:

المحذور الأول: لزوم كون الأمر مفروض الوجود قبل وجود نفسه، وهذا خلف؛ لأنَّك عرفت أنَّ الأمر متعلق القصد، وهو غير اختياري، فيكون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه، وهو محال؛ لأنَّ ما لا يوجد إلا بنفس إنشائه كيف يعقل أخذه مفروض الوجود في موضوع نفسه؟! ومرجعه بالتالي إلى اتحاد الحكم والموضوع.

المحذور الثاني: لزوم الدور، وتوضيحه: إنَّ فعلية الحكم متوقّفة على فعلية الموضوع؛ إذ نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته، ومن هنا أنكرنا الشرط المتأخر؛ للزومه فعلية الحكم حال كون الموضوع غير فعلي.

وعليه، لو كان قصد امتثال الأمر جزءاً من متعلّق الأمر، لكان الأمر متوقفاً عليه، إلا أنَّ القصد متوقف على الأمر؛ لأنَّه فرع الأمر نفسه، فيكون الأمر متوقفاً على القصد، والقصد متوقفاً على الأمر، وهذا دور.

هذه تمام المحاولة الثانية للنائيني في إثبات عدم إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في متعلقه.

وقد أشكل بعض الأعلام على دعوى أخذ قصد الأمر مفروض الوجود؛ حيث إنَّ الحق خلافه؛ لأنَّ القّصد جزء المتعلق، والمتعلق يجب تحصيله، فلا يكون مأخوذاً مفروض الوجود؛ لأنَّ الذي يؤخذ مفروض الوجود هو الموضوع مع قيوده، لا قيود الواجب، فإنَّ قيود الواجب يجب تحصيلها؛ كالطهارة بالنسبة للصلاة، والستر بالنسبة لها، ولا تؤخذ مفروضة الوجود، والقصد من هذا القبيل؛ لأنَّه جزء المتعلق أو قيد له.

وفيه: أنَّ الميرزا لم يدّعِ أخذ قصد الأمر مفروض الوجود، وإنَّما ادعى أخذ الأمر نفسه مفروض الوجود؛ أي متعلق المتعلق؛ لأنَّ الأمر خارج عن قدرة المكلف، وعليه لا يمكن تعلّق التكليف به، فيؤخذ مفروض الوجود.

أمّا السيد الخوئي (رحمه الله)، فقد أشكل على أستاذه بأنَّ الأمر وإن كان غير اختياري؛ إلا أنَّ مجرّد ذلك لا يوجب أخذه مفروض الوجود؛ لأنَّ الملاك الموجب لأخذه كذلك، إمّا الظهور العرفي أو الحكم العقلي، وكلّ منهما غير متحقق.

أمّا الظهور العرفي، فواضح؛ حيث لا موضوع له فيما نحن فيه؛ لأنَّ الكلام إنما هو في إمكان أخذ قصد الأمر في متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود، وعدم إمكانه، ومن الطبيعي أنَّه لا صلة للعرف بهذه الجهة.

وأمّا الحكم العقلي، فأيضاً كذلك؛ لأنَّ ملاكه هو أنَّ القيد لو لم يؤخذ مفروض الوجود في مقام الجعل للزم التكليف بما لا يطاق، ومن المعلوم أنَّه لا يلزم من أخذ الأمر مفروض الوجود ذلك؛ لأنَّ الأمر الذي هو متعلق للقصد يتحقق بمجرّد جعله، ومن الطبيعي أنَّ الأمر إذا تحقق ووجد، أمكن للمكلف الإتيان بالمأمور به بقصد هذا الأمر، ولا حاجة بعد ذلك إلى أخذه مفروض الوجود في مقام الجعل والإنشاء.

وفيه: أنَّه لا بدّ من أخذه مفروض الوجود حين الجعل والإنشاء؛ لأنَّ الفرض أنَّ الأمر غير اختياري، وقد تعلّق به القصد، وبالنتيجة يكون الأمر في المقام هو متعلق المتعلق، وهو بمثابة الموضوع، وهل يعقل إهماله في مقام الجعل؟!

وأمّا القول بأنَّه إذا تحقق ووجد أمكن للمكلف الإتيان بالمأمور به بقصد هذا الأمر، ففيه من المغالطة ما لا يخفى؛ إذ الكلام حين الجعل والإنشاء، وأنَّه كيف ينشئ المولى الحكم ولا يأخذه مفروض الوجود؟


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2473
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 04-04-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12