• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 80 _ المقصد الأول في الاوامر 12 .

الدرس 80 _ المقصد الأول في الاوامر 12

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «المبحث الثاني: في أنَّ الصيغة حقيقة في الوجوب، أو في الندب، أو فيهما، أو في المشترك بينهما وجوه بل أقوال، لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب، مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال... كيف؟ وقد كثر استعمال العام في الخاص، حتى قيل: (ما من عام إلا وقد خص)، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص».

يتعرّض صاحب الكفاية في هذا المبحث إلى أنَّ صيغة الأمر (اِفْعَلْ) هل هي موضوعة حقيقة في الوجوب، أو في الندب، أو في كليهما على نحو الاشتراك اللفظي، أو المعنوي...؟

ذهب (رحمه الله) إلى أنَّ صيغة الأمر موضوعة للوجوب، واستعمالها في غيره من الندب وغيره مجاز؛ والدليل على ذلك تبادر الوجوب بمجرّد إطلاقها معرّاة عن أيّة قرينة حالية أو مقالية، والتبادر علامة الحقيقة. ثمَّ أيّد هذا الدليل بعدم صحّة اعتذار المخالف باحتماله الندب. وإنَّما جعله مؤيداً؛ لأنَّه وإن أفاد الوجوب، إلا أنَّه لا يفيد كونه حاصلاً بالوضع؛ لاحتمال كونه حاصلاً بالإطلاق أو العقل.

ثمَّ إنَّ صاحب المعالم، بعد اعترافه بأنَّ صيغة الأمر دالّة على الوجوب وضعاً، ذهب إلى أنَّ صيغة الأمر في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة محمولة على الندب، إمّا حقيقة باعتبار أنَّ المعنى الأوّل قد هُجِر، أو مجازاً لكثرة استعمالها في الندب، فيكون مجازاً مشهوراً.

وقد ردّ عليه صاحب الكفاية بأنَّه أوّلاً: صيغة الأمر كما هي مستعملة في الندب كثيراً، فهي مستعملة في الوجوب كثيراً أيضاً.

ثانياً: إنَّما ينفع استعمالها في الندب بحيث يوجب النقل إليه أو يفيد المجاز المشهور الذي يصبح راجحاً على المعنى الحقيقي، فيما لو كان الاستعمال عارياً عن القرينة، وإلا فإنَّ كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب مع القرينة لا توجب انثلام ظهورها في الوجوب.

الإنصاف: أنَّ الاستدلال بالتبادر على أنَّ صيغة الأمر موضوعة حقيقة في الوجوب في غير محلّه؛ لما تقدم من أنَّ التبادر إنَّما يكون أمارة على الحقيقة فيما لو كان منشؤه حاق اللفظ، فإن لم ينشأ من حاق اللفظ أو احتملنا نشوءه من قرينة ما، فلا يكون أمارة على الحقيقة؛ إذ لا يمكن جريان استصحاب عدم القرينة كما مرّ. وهنا نحتمل أن يكون منشأ التبادر هو الإطلاق أو العقل، وعليه فلا ينفع التبادر كأمارة على كون الصيغة دالّة على الوجوب وضعاً.

أمّا المؤيِّد الذي ذكره، فلا يغني ولا يسمن من جوع بعدما كان المؤيَّد نفسه غير نافع للاستدلال به.

كلام جماعة من الأعلام: ذهب جماعة من الأعلام منهم الآغا ضياء الدين العراقي (رحمه الله) إلى أنَّ صيغة الأمر موضوعة لمعنى جامع، ثمَّ استفيد الوجوب بالإطلاق ومقدّمات الحكمة.

وتوضيحه: لمّا كانت صيغة الأمر موضوعة لجامع الطلب، فإن كان الطلب شديداً، فهو وجوب، وإلا فهو استحباب. وبناءً على اتحاد الطلب والإرادة، فتكون الإرادة شديدة في الوجوب، وخفيفة في الاستحباب.

أمّا اختلاف الإرادة شدّة وضعفاً فهو راجع إلى المصلحة المتعلقة بفعل الغير؛ لأنَّ الإرادة عبارة عن الشوق الأكيد تجاه الفعل المراد. وإنَّما ينشأ هذا الشوق بعد تصوّر الفعل والتصديق بفائدته؛ أي التصديق بالمصلحة الكامنة فيه، وإلا فمع خلوّ الفعل من المصلحة لا يتحقق هذا الشوق الأكيد تجاهه، وبالتالي لا يكون مراداً. وعليه، إن كانت المصلحة المتعلّقة بفعل الغير شديدة كانت إرادته شديدة أيضاً، وإن كانت خفيفة كانت إرادته مثله.

وبناءً على ما تقدم، يكون الوجوب عبارة عن شدّة الطلب، أو شدّة الإرادة، والاستحباب عبارة عن ضعفهما. والشدة ليست شيئاً زائداً على أصل الطلب أو الإرادة وهي من الكيفيات النفسانية البسيطة التي ما به الاشتراك لديها عين ما به الامتياز؛ كما في العرض الخارجي؛ كالسواد، فإنَّ شدة السواد هو عين السواد، بينما ضعف السواد؛ أي نقصه، لمّا كان أمراً عدمياً، فهو شيء زائد عليه، وبالتالي هو زائد على الطلب أو الإرادة، فيحتاج في مقام الإثبات إلى قرينة.

وعليه، إذا أطلقت صيغة الأمر الموضوعة لجامع الطلب بلا قرينة، والحال أنَّ الشدة لا تحتاج إلى قرينة بينما يحتاج الضعف إليها، تحمل على الطلب الشديد أو الإرادة الشديدة، وهو الوجوب.

الإنصاف:
أوّلاً
: ذكرنا سابقاً أنَّ الطلب والإرادة متغايران، فالإرادة مهما بلغت ذروتها، لا ينبعث منها الفعل بلا توسّط تصدّي النفس، وهو الطلب. والطلب لا يتصف بالشدة والضعف، خلافاً للإرادة؛ فطلب الماء لرفع الموت أو لرفع الحرارة واحدٌ لا يختلف شدّة وضعفاً، وإن كانت إرادة الماء في الأوَّل أشد.
ثانياً: يظهر من كلامهم؛ حيث فرّقوا بين شدة الإرادة وضعفها، أنَّ الوجوب هو الإرادة الشديدة، مع أنَّه باطل؛ لأنَّ الوجوب ينبعث من صيغة الأمر، وهو غير الإرادة حتما، بل سيأتي ­ إن شاء الله تعالى ­ أنَّ الوجوب أمر اعتباري، والإرادة صفة حقيقية قائمة في صقع النفس، فكيف يكون هو الإرادة؟!
ثالثاً: أشار السيد الخوئي (رحمه الله) إلى أنَّه كما أنَّ الضعف يحتاج إلى قرينة فكذلك الشدة؛ لأنَّ كلاً منهما زائد على الإرادة، فإنَّ الإرادة لمّا كانت ممكنة، فهي محدودة، وعليه فتكون محدودة من حيث الشدة والضعف معاً. وفيه ما لا يخفى، فإنَّ الأمر البسيط مثل السواد والبياض، لا يمكن أن نميّز شدته عن أصله؛ إذ لا حدّ لخصوص السواد الشديد غير حدّ السواد نفسه، خلافاً لضعف السواد، فإنَّ له حداً مغايراً؛ لأنَّ الضعف عبارة عن عدم الشدة، وهو أمر عدمي مغاير للسواد. وكذلك الإرادة، فلا حدّ لخصوص شديدها غير حدّها، وعليه فلا تحتاج إلى قرينة لتعيينها مع الإطلاق.

وأمّا قوله (رحمه الله): «كل ممكن محدود»، فمعناه أنَّ العالم متناهٍ، وهذا لا ربط له بما ذكروه من أنَّ ما به الامتياز عين ما به الاشتراك.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2466
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 18-03-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19