• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 79 _ المقصد الأول في الاوامر 11 .

الدرس 79 _ المقصد الأول في الاوامر 11

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «الفصل الثاني: فيما يتعلّق بصيغة الأمر وفيه مباحث: الأول: إنه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها وقد عد منها: الترجي، والتمني، والتهديد، والإنذار، والإهانة، والاحتقار، والتعجيز، والتسخير، إلى غير ذلك، وهذا كما ترى، ضرورة أنَّ الصيغة ما استعملت في واحد منها، بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب، إلا أنَّ الداعي إلى ذلك، كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي، يكون أخرى أحد هذه الأمور، كما لا يخفى. وقصارى ما يمكن أن يدعى، أن تكون الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب، فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك، لا بداع آخر منها، فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة، وإنشاؤه بها تهديداً مجازاً».

بعد الفراغ من الفصل الأوّل المتكفّل فيما يتعلّق بمادة الأمر، شرع صاحب الكفاية في الفصل الثاني المتكفّل فيما يتعلّق بصيغة الأمر؛ أي صيغة (اِفْعَل).

أمّا المبحث الأوّل من هذا الفصل، فهو يتعلّق بمعاني صيغة الأمر، وقد أشار (رحمه الله) إلى أنَّه ربما يعدّ لصيغة الأمر معانٍ عديدة، منها: التمني والترجي؛ كما في قول امرئ القيس: «ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ  ******** بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ»
قوله: «انجلِ» المراد منه التمني إن فُرض أنَّ انجلاء الليل غير ممكن، وإلا فالمراد منه الترجي. ومنها التهديد؛ كما في قولك مهدِّداً: (افعل ما شئت). ومنها الإنذار؛ كما في قوله تعالى: «وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار».
ومنها الإهانة؛ كما في قوله سبحانه وتعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم».
ومنها الاحتقار؛ كقوله تعالى: «أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُون». ومنها التعجيز؛ كقوله تعالى: «فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ». ومنها التسخير؛ كقوله تعالى
: «كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين». ومنها الدعاء؛ كقولك: (اللهم اغفر لي).

بعد الإشارة إلى المعاني التي ذكرت لصيغة الأمر، نسأل: هل صيغة الأمر موضوعة لهذه المعاني على نحو الاشتراك اللفظي؛ أي بأوضاع متعدّدة؟ أم على نحو الاشتراك المعنوي؛ بأن وضعت لمعنى واحد كلّي ينطبق على تلك المعاني؟ أم لا هذا ولا ذاك؟

اختار صاحب الكفاية الثالث، فقد ذهب إلى أنَّ صيغة الأمر موضوعة لمعنى واحد وهو إنشاء الطلب، إلا أنَّه تارةً يكون الداعي إليه هو التمني، وأخرى الترجّي، وثالثاً التهديد، ورابعاً البعث والتحريك، وهكذا. وقصارى ما يمكن قوله: إنَّ صيغة الأمر موضوعة لإنشاء الطلب بداعي البعث والتحريك، فيكون استعمالها بهذا الداعي استعمالاً حقيقياً، واستعمالها بالدواعي الأخرى استعمالاً مجازياً.

الجواب: صحيح أنَّ صيغة الأمر ليست موضوعة لهذه المعاني على نحو الاشتراك اللفظي أو الاشتراك المعنوي، ولكنّها ليست موضوعة أيضاً للإنشاء الطلبي؛ فقد مرّ معنا أنَّ الإنشاء والإخبار خارجان عن حريم الموضوع له، وهذا ما وافقه صاحب الكفاية نفسه، إلا أن يكون مراده الطلب الإنشائي؛ حيث يكون الإنشاء خارجاً حينئذٍ. ولكن مع هذا لا يخلو من إشكال؛ لأنَّ معنى الهيئة معنى حرفي، فكيف تكون موضوعة للطلب الإنشائي؟! بل هي موضوعة للنسبة الإيقاعية على أن يكون المراد مصداق النسبة لا مفهومها؛ لأنَّ المفهوم معنى اسمي لا حرفي.

وأمّا قوله: «وقصارى ما يمكن أن يدعى، أن تكون الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب، فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك»، فإن كان مراده دخول البعث والتحريك في الموضوع له، كما هو الظاهر. ففيه: أنَّ الدواعي خارجة عن الموضوع له؛ إذ لا يمكن أخذها فيه، إلا أن يكون المراد أنَّ الواضع قد اشترط على المستعملين أنَّهم إذا استعملوها فبداعي البعث والتحريك. ولكن لا دليل على ذلك من جهة، ومن جهة أخرى لو سلّمنا بهذا الاشتراط، فلا تكون مخالفته موجبة لمجازية الاستعمال.

نعم، بناءً على مقالة صاحب الكفاية من أنَّ صيغة الأمر موضوعة لإنشاء الطلب، أنَّه إذا أطلقت الصيغة من دون قرينة على إرادة الدواعي الأخرى، انصرفت إلى خصوص إنشاء الطلب بداعي البعث والتحريك.

الإنصاف: أنَّ صيغة الأمر (اِفْعَلْ) مركّبة من المادة والهيئة، أمّا المادة، فقد ذكرنا بما لا مزيد عليه أنّها موضوعة للماهية المهملة المعرّاة عن أيّة خصوصية. وأمّا الصيغة، فهي موضوعة لمصداق النسبة الإيقاعية بين المادة والمخاطب، لا لمفهوم النسبة؛ لأنَّ مفهوم النسبة معنى اسمي، والهيئة معنى حرفي، وعليه فهي موضوعة لإيجاد المادة من المخاطب.

ومن هنا لا يكون الأمر إخباراً؛ لأنَّ الإيقاع إيجاد ما لم يكن موجوداً، والإخبار يكون عن موجود.

هذا بالنسبة إلى صيغة الأمر، أمّا هيئة الماضي (فَعَلَ)، فهي موضوعة للنسبة التحققيّة؛ أي وجود المبدأ في الماضي. وقد تستعمل هيئة الماضي في إنشاء العقود، كما هي مستعملة في الإخبار كثيراً، وإنَّما يكون التمييز بالقرينة. ولم يعهد وقوعها إنشاءً في مقام البعث والطلب ابتداءً، وإن استعملت في القضايا الشرطية في ذلك؛ لانقلابها فيها إلى الاستقبال.

وأمّا هيئة المضارع (يَفْعَلُ)، فهي موضوعة للنسبة التلبّسية بين المادة والمخاطب في الحال أو المستقبل. وهي مستعملة في الإخبار كثيراً، أمّا استعمالها في إنشاء العقود، ففيه كلام. نعم، تستعمل في الطلب والبعث كـ (يصلي)، و(يعيد)، ونحو ذلك.

معاني سائر الصيغ الإنشائية:

ثمَّ قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «إيقاظ: لا يخفى أنَّ ما ذكروه في صيغة الأمر، جار في سائر الصيغ الإنشائية، فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام بصيغها، تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة، يكون الداعي غيرها أخرى، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها، واستعمالها في غيرها، إذا وقعت في كلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى ، مما لازمه العجز أو الجهل، وأنَّه لا وجه له، فإنَّ المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإيقاعي، الذي يكون بمجرّد قصد حصوله بالصيغة، كما عرفت، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإيقاعية الإنشائية أيضاً، لا لإظهار ثبوتها حقيقة، بل لأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإنكار أو التقرير إلى غير ذلك».

بعد فراغه من الكلام عن صيغة الأمر، نبّه صاحب الكفاية على أنَّه ما ذكر في هذه الصيغة جارٍ في بقية الصيغ الإنشائية؛ كـــــ (همزة الاستفهام) و(ليت) و(لعلّ)، فإنَّ الأولى موضوعة لإنشاء الاستفهام، ولكن هذا الإنشاء مرّة يكون بداعي الاستفهام الحقيقي عن أمر مجهول؛ كما في قول سائل: (هل جاء زيد؟)، وأخرى بداعي التقرير؛ كما في قوله تعالى : «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك ﴾، وثالثاً بداعي الاستنكار؛ كما في قوله تعالى : «أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ»، ورابعاً بداعي التهكّم؛ كما في قوله تعالى : «قَالُواْ ياشُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا»، وخامساً بداعي الاستبطاء؛ كما في قوله تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ».

إذاً (همزة الاستفهام) تستعمل في معنى واحد، وهو إنشاء الاستفهام، وكذا (ليت) تستعمل في إنشاء التمني، و(لعلّ) تستعمل في إنشاء الترجي، إلا أنَّ الداعي يختلف من استعمال إلى آخر.

ومن هنا نعرف أنَّ استعمال هذه الصيغ في كلامه سبحانه وتعالى استعمال حقيقي، وإن كانت الدواعي مختلفة، وإلا لو قلنا أنَّ همزة الاستفهام مثلاً موضوعة للاستفهام الحقيقي، للزم أن تكون كلّ الاستعمالات المتقدّمة مجازية، خصوصاً وأنَّه يستحيل الاستفهام الحقيقي بحقه تعالى؛ للزومه الجهل عليه، وهو محال.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2465
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 14-03-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28