المبحث السادس عشر ثمرة بحث المشتق
بعد الفراغ من مباحث المشتق، بقي الكلام حول ثمرة هذه المباحث، بل ثمرة خصوص النـزاع حول ما لو كان المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس بالمبدأ أو للأعم. وقد ذكر الأعلام العديد من الثمرات، منها:
الثمرة الأولى:
ما دلّ على كراهة التغوّط والتبوّل تحت الشجرة المثمرة، فبناءً على القول بالأخص ينتفي حكم الكراهة إذا عرت الشجرة من حملها، وبناءً على القول بالأعم يبقى الحكم؛ لبقاء صدق عنوان الشجرة المثمرة حقيقة.
ومن جملة الروايات الدالة على الكراهة: صحيحة عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السّلام): أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن، فقيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور»( ).
ومنها: معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه S قال: «نهى رسول الله C أن يُتَغَوَّط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها»( ).
الثمرة الثانية:
ما دلّ على كراهة الوضوء بالماء الذي سخّنته الشمس، فبناءً على القول بالأخص ينتفي حكم الكراهة إذا بردت الماء، وبناءً على القول بالأعم يبقى الحكم؛ لبقاء صدق عنوان الماء المسخّن بالشمس.
ومن جملة الروايات الدالة على الكراهة: معتبرة السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «قال رسول الله C: الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤوا به، ولا تغتسلوا به، ولا تعجنوا به، فإنه يورث البرص»( ).
الثمرة الثالثة:
ما دلّ على حرمة أكل لحم الحيوان الجلاّل، ونجاسة بوله وخرئه، وعرقه على خلاف، فبناءً على القول بالأخص ينتفي حكم الحرمة والنجاسة بعد الاستبراء، وبناءً على القول بالأعم يبقى الحكم لبقاء صدق عنوان الجلاّل.
ومن جملة الروايات الدالة على حرمة لحوم الجلال صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: «لا تأكلوا لحوم الجلالة، فإن أصابك من عرقها فاغسله»( ).
هذه بعض ثمرات مبحث المشتق.
والإنصاف: أنَّه إنَّما تأتي ثمرة هذا البحث إذا لم يكن ثمّة دليل على العنوان الآخر؛ أي عنوان الموضوع بعد انقضاء التلبس، وهذا نادر؛ لأنَّ الأحكام الشرعية فصّلت بين العنوانين غالباً. فإنَّه حينها يقال: بناءً على القول بالأخص يرتفع الحكم، وبناءً على القول بالأعم يبقى الحكم.
أمّا إذا ورد دليل على العنوان الآخر؛ كما في مسألة حرمة وطء الحائض مثلاً، فإنَّه لا يُرجع إلى مبحث المشتق لمعرفة حكم الوطء بعد انقطاع الحيض، فيقال: بناءً على الأخص تنتفي حرمة الوطء، وبناءً على الأعم تبقى الحرمة؛ لبقاء صدق عنوان الحائض حتى بعد انقطاع الحيض؛ وذلك لورود الدليل على جواز الوطء.
وكذلك الحال في المثال السابق، وهو حرمة أكل لحم الحيوان الجلاّل؛ فإنه قام الدليل على أنَّه بعد الاستبراء وزوال عنوان الجلل، يجوز أكله حينئذٍ، ويطهر بوله وخرؤه.
وكذا في مثل ما لو اشترى زيد بيتاً من أرباح السنة، ثمَّ سكنه قبل حلول السنة، فيكون البيت حينئذٍ من مؤنته، فإذا استغنى بعد ذلك عن هذا البيت، فلا يرجع في تحديد الحكم إلى مبحث المشتق، فيقال: بناءً على الأخص ينتفي عنوان المؤنة بالنسبة إلى البيت، فيتعلّق به الخمس، بينما على القول بالأعم يبقى عنوان المؤنة، فلا يجب فيه الخمس؛ وذلك لورود الدليل على أنَّ موضوع الخمس (ما أفاد)، كما في موثقة سماعة قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»( ). وعليه طالما لا يصدق على البيت أنَّه فائدة وربح بعد الاستغناء عنه، فلا يجب فيه الخمس. والحمد ﷲ رب العالمين.
|