• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مقدمات علم الأصول / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 49 _ مقدمات علم الاصول 49 .

الدرس 49 _ مقدمات علم الاصول 49

وفيه: أنَّ العناوين الذاتية إن كانت جامدة غير مشتقّة من شيء؛ كالإنسان والحيوان والحجر، بما أنَّ لها وضعاً واحداً؛ حيث لا يقال فيها أنَّ المادة موضوعة لمعنى والهيئة موضوعة لمعنى آخر، لا يجري فيها النـزاع؛ لأنَّ انتفاءها يلزمه انتفاء الذات دائماً.

وإن كانت العناوين الذاتية اشتقاقية؛ كالممكن، فلمّا كان لها وضعان؛ وضع لمادة (الإمكان)، وآخر لهيئة (ممكن)، وكان بحثنا عن خصوص الهيئة لِمَن هي موضوعة، فلا يلزم من عدم جريان النـزاع في بعض أفراد هذه الهيئة كـــــ (ممكن)، أن لا يكون جارياً في أفراد أخرى كـــــ (مقيم)؛ لأنَّ انتفاء المبدأ عن ذات المقيم لا يلزمه انتفاء الذات نفسها.

وعليه، كلّ هيئة يكون بعض أفرادها داخلاً في محلّ النـزاع، وبعضها خارجاً عنه، تكون داخلة فيه.

ثمَّ قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النـزاع، مطلق ما كان مفهومه ومعناه جارياً على الذات ومنتزعاً عنها، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامداً».

يريد (رحمه الله) أنَّ الجوامد أيضاً داخلة في النـزاع طالما هي جارية على الذات، ويذكر شاهداً على ذلك، وهي مسألة الرضاع.

قال العلامة (رحمه الله) في القواعد: «ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب، فالأقرب تحريم الجميع؛ لأنَّ الأخيرة صارت أمّ من كانت زوجته إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين، وإلا حرمت الكبيرتان مؤبّداً، وانفسخ عقد الصغيرة»( ).

وقال فخر المحقّقين (رحمه الله) في الإيضاح: «أقول: تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بإحدى الكبيرتين بالإجماع، وأمّا المرضعة الأخيرة ففي تحريمها خلاف، واختار والدي المصنّف وابن إدريس تحريمها؛ لأنَّ هذه يصدق عليها أنّها أم زوجته؛ لأنَّه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه فكذا هنا»( ).

توضيح المسألة: لو أنَّ شخصاً تزوّج من ثلاث نساء، اثنتين كبيرتين قد دخل بإحداهما، وواحدة صغيرة دون السنتين، ثمَّ أرضعت الزوجتان الكبيرتان على التعاقب الزوجة الصغرى رضاعاً كاملاً، فهل تحرم كلّ الزوجات على الزوج، أم بعضها؟

أمّا الصغيرة، فلا إشكال في حرمتها على الزوج؛ لأنَّه لا يخلو إمّا أنَّ رضاعها من الكبيرة كان من لبن الزوج، فتصبح ابنته بالرضاعة، فتحرم عليه بذلك، ثمَّ إنَّه لا يخفى عليك أنَّه لا يشترط في هذه الصورة الدخول بإحدى الكبيرتين؛ لأنّها محرّمة عليه باعتبار أنّها ابنته بالرضاعة، نعم يبقى كيفية تصوّر كون اللبن منه مع عدم الدخول بإحداهما؛ وذلك بأن كان قد أولدها شبهة، ثمَّ عقد عليها ولم يدخل بها، أو كان قد دخل بها، ثمَّ طلقها، ثمَّ تزوجها بعد خروجها من العدّة ولم يدخل بها، فإنَّ الصغيرة حينئذٍ تكون ابنته برضاعها من لبنه، فتحرم عليه.

إمّا أنَّ رضاعها من غير لبن الزوج؛ كما لو تزوّجها مرضعة، فتصبح الصغيرة حينئذٍ ربيبته، فتحرم بذلك.

وأمّا المرضعة الأولى، فقد استدلّ على حرمتها ببعض الأدلة:

الدليل الأوَّل:

مسألة المشتق؛ فبناءً على أنَّ المشتق موضوع للأعمّ ممّن تلبّس بالمبدأ وانقضى عنه، فتحرم على الزوج؛ لصدق الزوجية حقيقة على الصغيرة بعد تحقّق الرضاع الكامل، وعليه تدخل المرضعة في عنوان التحريم المنصوص في القرآن الكريم «وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ »( ).

وبناءً على أنَّ المشتق موضوع لخصوص المتلبّس بالمبدأ، فبعد تحقق الرضاع الكامل ينتفي عنوان الزوجية عن الصغيرة، وبالتالي لا تكون المرضعة داخلة في العنوان المتقدّم؛ لأنَّه في زمن تحقق الأمومة ارتفع عنوان الزوجية عن الصغيرة، فلم يجتمعا في زمنٍ واحدٍ حتى ينطبق على المرضعة أنّها أم الزوجة، بل هي أمّ لمن كانت زوجة. وعليه، فلا تحرم على الزوج.

وبما أنَّه سيأتي ­ إن شاء الله تعالى ­ أنَّ الإنصاف كون المشتق موضوعاً لخصوص المتلبّس بالمبدأ فعلاً، فلا يكون هذا الدليل الذي استدلّ به على حرمة المرضعة الأولى تاماً.

ثمَّ إنَّ بعضهم قال إنّه صحيح بناءً على أنَّ المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ لم يجتمع عنوان الأمومة مع زوجية الصغيرة عند تحقق الرضاع الكامل لتدخل المرضعة تحت عنوان «وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ »، ولكن هذا الكلام بحسب الدقّة العقلية، إلا أنَّ العرف يرى اجتماعهما، وعليه يلزم التحريم.

جوابه: إنّما يُرجع إلى العرف في خصوص تحديد المفاهيم إذا لم تكن محدّدة شرعاً، ولا يرجع إليه في تطبيق المفاهيم على مصاديقها، وإنّما يرجع للعقل؛ ذلك أنَّ العرف يتساهل في التطبيق، فيجعل ما ليس بمصداق لمفهوم واقعاً مصداقاً له تساهلاً منه؛ كما في مسافة التقصير، فإنّه لو سافر المكلّف ثمانية فراسخ إلا شبراً لنـزَّلها العرف منـزلة الثمانية تسامحاً منه وتساهلاً، بينما العقل ينفي تحقّق المسافة، وبالتالي يوجب الإتمام في هذا الفرض. وعليه، فما قيل من كفاية الاجتماع العرفي لعنوان الأمومة والزوجية في غير محلّه.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2434
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 22-01-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12