ثمَّ إنَّه يكره للمرأة التَّصرُّف في مالها بغير إذن زوجها، إلاَّ في زكاة أو برِّ والديها، أو صلة قرابتها، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ مَعَ زَوْجِهَا فِي عِتْقٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَا تَدْبِيرٍ، وَلَا هِبَةٍ، وَلَا نَذْرٍ فِي مَالِهَا، إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، إِلاَّ فِي زَكَاةٍ، أَوْ بِرِّ وَالِدَيْهَا، أَوْ صِلَةِ قَرَابَتِهَا»[1]f44.
وفي مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا «في المرأةِ تهبُ مِنْ مالِها شَيْئاً بغيرِ إذنِ زوجِها؟ قَاْل: لَيْسَ لَهَا»[2]f45، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو ملَّكَتْه مالاً كره له التَّسرِّي به. (انتهى كلامه) (1)
(1) ذهب جماعة من الأعلام إلى كراهة التَّسرِّي فيما لو ملّكتْه مالاً، بأنْ يشتري من مالها جاريةً ويطأها، منهم المصنِّف (رحمه الله) هنا، والعلاَّمة (رحمه الله) في القواعد، والمحقِّق (رحمه الله)، وغيرهم.
وقد استدلَّ لذلك بروايتَيْن:
الأولى: صحيحة هشام وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرَّجلِ تَدْفعُ إليْهِ امْرَأتُه المَالَ فتقولُ لَهُ: اِعْملْ بِهِ واصْنعْ بِهِ مَاْ شِئْتَ، ألَه أنْ يشْتَري الجَاريةَ، يَطَؤها؟ قَاْل: لَاْ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ»[3]f46.
الثَّانية: رواية الحسين بن المنذر «قَاْلَ: قُلْتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): دَفَعتْ إليَّ إمْرَأتِي مَاْلاً أَعْمَلُ بِهِ، فَأَشْتَرِي مِنْ مَاَلِها الجاريةَ أَطَؤُهَا؟ قَاْل: فَقَاْل: أرادتْ أَنْ تَقَرَّ عَيْنُك، وتَسْخنَ عَيْنُها؟!»[4]f47، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة الحسين بن المنذر.
ثمَّ إنَّ ظاهر الرِّوايتَيْن التَّحريم، فإنَّ الإذن في الصَّحيحة الأُولى، وإن كان مطلقاً في جميع وجوه الانتفاع بالمال، إلاَّ أنَّه لمّا كان المعلوم مِنَ المرأة الغيرة، وعدم الرِّضا بامرأة عليها جاريةً أو غيرها، منعه (عليه السلام) من ذلك.
وبالجملة، فإنَّ ظاهر النَّهي هو التَّحريم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويحتمل كراهةُ جَعْلِه صَدَاقاً لِضُرَّةٍ إلاَّ بإذْنِها. (انتهى كلامه)
(1) أقول: لم يرد في ذلك رواية ولو ضعيفة.
نعم، قد يستفاد الكراهة أو التَّحريم من باب تنقيح المناط.
لكنَّ الإنصاف: أنَّ الجزم بذلك مشكل جدّاً، وطريق الاحتياط واضح، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز للوكيلِ أو الوصيِّ في الدَّفعِ إلى قبيلٍ، إعطاءُ عيالِه إذا كانوا منهم. (انتهى كلامه)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا دفع الإنسان مالاً إلى غيره على جهة الوصاية والوكالة عنه، سواء أكان حقاً واجباً أم لا، ليصرفه في قبيل أي فريق وعنوان ، فيجوز له أن يدفع إلى عياله وأقاربه، كما يدفع إلى غيرهم.
وتدلُّ على ذلك صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رَجُلٍ أعْطَاه رَجُلٌ مَاْلاً لِيَقْسِمَه في المَسَاكِين، وَلَه عِيْالٌ مُحْتاجُوْنَ أَيُعْطِيْهِم مِنْه مِنْ غيرِ أَنْ يَسْتَأذِنَ صَاحِبَه؟ قَاْلَ: نَعَم»[5]f48.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والتَّفصيل (التفضيل) إذا كانوا غير محصورِين. (انتهى كلامه)
(1) اعلم أنَّه لا يجب التَّسوية في القِسْمة، فيجوز التَّفاضل فيما إذا كانوا غير محصورِين، كما لو أوصاه بالدَّفع إلى الفقراء، فإنَّه يجوز أن يعطي عياله الفقراء أكثر من غيرهم، كما دلَّت عليه روايات قِسْمة الزَّكاة، فإنَّ التَّسوية فيها غير واجبة.
وكذا الحال في الخمس، وقد عرفت أنَّه لا فرق في الحقِّ بين كونه واجباً أو مندوباً.
نعم، لو كانوا محصورِين لأمكن القول بعدم جواز التَّفاضل، كما صرَّحوا به في المال الموصى به لأشخاص معينِين.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة، وعليها الأكثر، وربَّما جعله الشَّيخ مكروهاً؛ لِرواية أخرى صحيحة بالمنع. (انتهى كلامه)
(2) إذا دفع الإنسان مالاً إلى غيره ليصرفه في عنوان، كالفقراء مثلاً، وكان المدفوع إليه منهم، فإنْ عيَّن له حصَّةً خاصَّةً، فيكون ذلك قرينة على عدم دخوله فيهم، فلا يجوز له أَخْذ غير الحصَّة المعيَّنة له.
وأمَّا إذا علم دخوله فيهم، ولو بقرينة حاليَّة أو مقاليَّة، فلا كلام أيضاً، فيجوز له أن يأخذ لنفسه.
وأمَّا إذا لم يعلم بدخوله فيهم، ولا خروجه، بل حصل الشَّكُّ، فهل يجوز له الأَخْذ من هذا المال؟
اِختلف الأعلام في ذلك، فالمشهور على الجواز، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، إلاَّ أنَّه قيَّده بقدر ما يعطي غيره.
وفي المبسوط منع من ذلك، وتبعه العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف، ولكنَّه في المنتهى اختار الجواز بقدر ما يعطي غيره.
[1] الوسائل باب 5 من أبواب النفقات ح1.
[2] الوسائل باب 5 من أبواب النفقات ح2.
[3] الوسائل باب 81 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[4] الوسائل باب 81 من أبواب ما يكتسب به ح2.
[5] الوسائل باب 84 من أبواب ما يكتسب به ح2.
|