• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مقدمات علم الأصول / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 10 _ مقدمات علم الاصول 10 .

الدرس 10 _ مقدمات علم الاصول 10

المبحث الثالث: حقيقة الوضع

مسلك اعتبار الملازمة:

ذهب بعض الأعلام الأجلاّء إلى أنّ الوضع عبارة عن اعتبار الملازمة بين طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى. وهذا الكلام لا يخلو من الإيراد عليه؛ إذ السؤال الذي يطرح نفسه: هل الملازمة المدعاة في الذهن أم في الخارج؟

فإن قيل أنَّها في الخارج ­ أي في عالم التكوين خارج الذهن ­ فلا نفع من هذه الملازمة؛ لأنَّ المخاطَب لمّا اعتُبرت له الملازمة، لا يخلو أمره من حالين:

إمّا أن يكون عالماً بالوضع؛ أي عالماً بأنَّ هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، فلا ينفعه اعتبار الملازمة خارجاً؛ لأنّ ذهنه ينتقل من اللفظ إلى المعنى بفضل علمه بالوضع بلا حاجة إلى اعتبار الملازمة.

وإمّا أن يكون جاهلاً بالوضع، فلا ينفعه اعتبار الملازمة أيضاً؛ لأنَّ ذهنه حينها لن ينتقل إلى شيء.

وإن قيل: إنَّ اعتبار الملازمة في الذهن؛ أي في أذهان الناس، فنسأل: هل اعتبرت الملازمة في ذهن العالم بالوضع، أم في ذهن الجاهل به؟

فإن قيل: اعتبرت في ذهن العالم، فالكلام هو الكلام؛ إذ لا فائدة من اعتبار الملازمة؛ لأنَّ ذهنه العالم بالوضع يكفيه للانتقال من اللفظ إلى المعنى، بل اعتبار الملازمة للعالم بالوضع يكون من باب تحصيل الحاصل، بل من أردئه؛ لأنَّ اعتبار الملازمة فيه يكون من قبيل الإثبات بالتعبد ما هو ثابت بالوجدان، وهذا غير معقول.

وإن قيل: اعتبرت في ذهن الجاهل بالوضع، فلا ينتفع من اعتبار الملازمة؛ لأنَّ ذهنه الجاهل بالوضع لن ينتقل إلى شيء بسماعه اللفظ.

فالإنصاف: أنّ الوضع عبارة عن اعتبار الملازمة بين اللفظ والمعنى لا معنى محصلاً له من جهة، ومن جهة أخرى الملازمة سواء ­ كانت في الذهن أم في الخارج، هي أمر تكويني حقيقي لا يخضع للاعتبار، وإنَّما يخضع للعلل الحقيقية؛ فاعتبار وجود النّار خارجاً مثلاً، لا يلزم منه وجودها في الخارج حقيقية.

مسلك الاتحاد والهوهويّة:

ذهب المحقق الإيراواني النخشواني وجماعة إلى مسلك الاتحاد والهوهويَّة؛ حيث قالوا: (الوضع عبارة عن اعتبار اللفظ متَّحداً مع المعنى)؛ أي فانياً فيه بادعاء الهوهوية بينهما، وأنَّ وجود اللفظ وجود تنـزيلي للمعنى ادعاءً لا حقيقة، وباب الادعاء باب واسع، وهو سهل المؤونة.

وتوضيحه: يذكر في علم المعاني ما يعرف بالحقيقة الادعائيَّة للسكاكي، ومنشؤها المبالغة في التشبيه؛ كما لو شبَّهنا زيداً بالأسد، ثمَّ بالغنا في هذا التشبيه حتى ادعينا الاتحاد بينهما، فصار للأسد فردان، فرد حقيقي، وهو الحيوان المفترس المعروف، وفرد ادعائي، وهو زيد الشجاع.

ونظيره في الشرع الحديثُ النبوي: «الطواف بالبيت صلاة»( )؛ حيث نـزَّل الطواف في الكعبة المشرَّفة منـزلة الصلاة باشتراط الطهارة من الخبث والحدثين، وأن لا يكون اللباس من الحرير...، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً كما بيَّنا مفصَّلاً في كتاب الحج، إلا أنَّه يوضّح لنا حقيقة الادعاء والتنـزيل.

وكذا موثّقة عمار بن موسى، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الفقاع، فقال: هو خمر»( )؛ حيث نـزَّل الفقاع منـزلة الخمر من جهة حرمة شربه ونجاسته.

وكذلك في المقام، فإنَّ الواضع يدّعي أنَّ لفظ الإنسان مثلاً هو عين الإنسان خارجاً، أي اللفظ عبارة عن وجود للمعنى ادعاءً وتنـزيلاً، لذا لا ينظر المتكلم في حال الاستعمال إلى اللفظ، بل يكون غافلاً عنه، فيلحظ المعنى استقلالاً، ويلحظ اللفظ آلة فانياً في المعنى، ومن هنا لم يصحّ استعمال اللفظ في معنيين.

ولشدَّة الاتحاد بين اللفظ والمعنى نجد آثار كلّ منهما تسري إلى الآخر، فإن كان المعنى قبيحاً استقبح الناس لفظه، رغم أنَّ اللفظ في نفسه مركَّبُ حروفٍ لا قبح فيها ولا حُسن.

وكذا لو كان في اللفظ تعقيد، سرى هذا التعقيد إلى لفظه الدال عليه؛ «كقول الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك، وهو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي: وما مثله في الناس إلا مملَّكاً             أبو أمه حيٌّ أبوه يقاربه

أي ليس مثله في الناس (حي يقاربه)؛ أي أحد يشبهه في الفضائل (إلا مملَّك)؛ أي رجل أُعطي الملك والمال يعني هشاماً (أبو أمه)؛ أي أبو أمِّ ذلك الملك (أبوه)؛ أي أبو إبراهيم الممدوح؛ أي لا يماثله أحد إلا ابن أخته، وهو هشام»( ).

وسراية الآثار هذه ممّا يؤيِّد الهوهوية بين اللفظ والمعنى.

والإنصاف: أنَّ الإلتزام بالاتحاد والهوهوية بين اللفظ والمعنى، وأنَّ وجود اللفظ وجود تنـزيلي للمعنى، وإن كان متيناً بالنسبة للوضع التعييني، إلا أنَّه لا يتم بالنسبة للوضع التعيني الحاصل من كثرة الاستعمال، فلا مجال للقول بأنَّه من كثرة الاستعمال يتَّحد اللفظ والمعنى خارجاً، وأنَّ اللفظ هو المعنى في الخارج؛ إذ لا يُعقل الاتحاد الحقيقي بينهما خارجاً، وما يمكن ادعاؤه هو الاتحاد الاعتباري والتنـزيلي.

ولمّا كان الوضع ينقسم إلى قسمين: تعييني وتعيّني، فلا بدّ أن يكون المقسم جامعاً بينهما؛ بحيث ينطبق على كلّ منهما، بينما ما ذكر من الاتحاد والهوهوية لا ينطبق إلا على التعييني فقط.

فالإنصاف: أنّ حقيقة الوضع أنَّه عبارة عن: (الربط الخاص بين اللفظ والمعنى)، وهذا الربط يحصل تارةً بالجعل، وأخرى بكثرة الاستعمال، وهذا الربط جامعاً بينهما، ومعنى لهما بلا إشكال، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2287
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 10-10-2012
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19