• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الرجال .
              • القسم الفرعي : علم الرجال والحاجة إليه / بحث الرجال .
                    • الموضوع : الدرس 08 _ علمي الرجال والدراية والحاجة إلى علم الرجال 8 .

الدرس 08 _ علمي الرجال والدراية والحاجة إلى علم الرجال 8

الوجه الرابع: (أهل الخبرة)

وهو أنّ الأخذ بتوثيق وتضعيف الرجاليّين من باب أنّهم خبراء هذا الفنّ، وسيرة العقلاء قائمة على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ فنّ، حيث يعملون بقولهم لأنّه يورث الوثوق، كرجوع الناس إلى الأطبّاء في مسائل الصحّة، ورجوعهم إلى المهندسين في مسائل البناء، ورجوعهم إلى الفقهاء في معرفة الأحكام الشرعية.

وفيه:

أمّا كبروياً، فصحيح أنّ سيرة العقلاء قائمة على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ فنّ، فهذا فيما إذا أفاد قولهم الاطمئنان، ولا يعتبر في قولهم ما يعتبر في الشهادة من العدالة والتعدد، لاستقرار سيرة العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة بلا اعتبارهما فيهم.

أمّا إذا لم يفد قولهم الاطمئنان، فلا دليل على الأخذ بقولهم، ولم يثبت بناء العقلاء على الأخذ بقولهم مطلقاً.

وأمّا صغروياً، وهو أنّه هل الرجاليّون يعتبرون خبراء في علم الرجال؟

وحتى نجيب عن ذلك، لا بد من تحديد معنى الخبير.

فالخبير: هو القادر على استخلاص رأي خاصّ من خلال ضمّ المقدمات بعضها إلى بعض، بحيث يكون خبره متضمّناً على إعمال نظر ورأي فيما يخبره.

وهذا، لا ينطبق على الرجاليّين، فإنّ دورهم ينحصر في التوثيقات والتضعيفات، وهذا لا يحتاج إلى إعمال نظر ورأي، لكونها من الحدسيّات القريبة من الحسيّات جداً، وبعضها بل كثير منها مبنيّ على النقل من كابر عن كابر، فلا يوجد فيها شيء من النظر وإعمال الرأي.

وعليه، فهم بذلك نظراء للّغويين الذين ينقلون استعمالات أهل اللغة.

وبالجملة، ليس الأخذ بتوثيقات الرجاليّين من باب أنّهم خبراء هذا الفنّ، لأنّهم ليسوا كذلك بالفعل.

الوجه الخامس: (الظنّ المطلق)

وهو أنّ الأخذ بتوثيق وتضعيف الرجاليّين من باب إفادته الظنّ، ولا يصمد هذا الكلام أمام التحقيق، لأنّ الظنّ ليس حجّة بالأدلّة الأربعة، إلاّ ما خرج بالدليل، كالظنّ الناشىء من خبر الواحد، والبيّنة العادلة، والظهورات، ونحو ذلك.

أمّا دعوى قيام الإجماع على حجّية الظنّ الآتي من قول الرجاليّين، فهو إجماع منقول بخبر الواحد، وقد عرفت عدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد.

أضف إلى ذلك، أنّه بنفسه ظنّ غير حجة، فلا يصلح للاستدلال به على حجّية ظنّ آخر.

وأمّا دعوى الانسداد الصغير في علم الرجال، بمعنى انسداد باب العلم في التوثيقات والتضعيفات، إذ لا سبيل إلى معرفة أحوال رجال أسانيد الأخبار إلاّ من خلال توثيقات الرجاليّين.

وعليه، فباب العلم منسدّ في غالب التوثيقات والتضعيفات، وبضميمة بقيّة مقدمات الانسداد تثبت حجّية الظنّ الحاصل من قول الرجالي في التوثيق والتضعيف.

وفيه: أنّ انسداد باب العلم وانفتاحه في علم الرجال لا أثر له، لأنّه إن قلنا بانفتاح باب العلم والعلمي في معظم الفقه، فلا يصحّ لنا الرجوع إلى الظنّ، سواء حصل من قول الرجالي أم من غيره، وسواء انسدّ باب العلم في الرجال أم انفتح، بل لا بدّ من الرجوع إلى العلم أو الدليل العلمي إن كان، وإلاّ فإلى الأصول العمليّة من البراءة والاحتياط والاستصحاب وغيرها على اختلاف مواردها.

وإن قلنا بانسداد باب العلم والعلمي في معظم الفقه، فيصحّ لنا الرجوع إلى الظنّ، سواء حصل من قول الرجالي أم من غيره، وسواء انسدّ باب العلم في الرجال أم انفتح.

وعليه، فلا أثر لانسداد باب العلم في الرجال.

وأمّا مقدمات الانسداد في علم الفقه، فيأتي تفصيلها ­ إن شاء الله تعالى ­ في محلّه، ولكن حاصلها إجمالاً:

المقدّمة الأولى: انسداد باب العلم والعلمي في معظم أبواب الفقه، وهذه هي العمدة.

المقدّمة الثانية: لا يجوز إهمال امتثال الأحكام الواقعية المعلومة إجمالاً.

المقدّمة الثالثة: إنّه بعد فرض وجوب التعرّض للأحكام المعلومة إجمالاً، فإنّ الأمر لتحصيل فراغ الذمّة منها يدور بين تقليد من يرى انفتاح باب العلم، أو الأخذ بالاحتياط في كلّ مسألة، أو الرجوع إلى الأصل العملي في كلّ مسألة من البراءة أو الاحتياط والتخيير والاستصحاب بحسب ما تقتضيه حال المسألة، أو الرجوع إلى النصّ في كلّ مسألة فيها ظنّ بالحكم الشرعي، ولا يصحّ الأخذ بالأمور الثلاثة، فيتعيّن الأخذ بالظنّ، كما سيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

المقدّمة الرابعة: بعد أن قلنا بتعيّن الرجوع إلى الظنّ، فيدور الأمر بين الرجوع إلى الطرف الراجح وهو الطرف المظنون، أو إلى الطرف المرجوح وهو الموهوم، ولا شكّ أنّ الأخذ بالمرجوح ترجيح بلا مرجّح، وهو قبيح عقلاً، فيتعيّن الأخذ بالراجح، وهو المظنون، ما لم نعلم بعدم جواز الأخذ به، وهو القياس والاستحسان.

الوجه السادس: (خبر الواحد)

وهو أنّ الأخذ بتوثيق وتضعيف الرجاليّين من باب أنّه خبر واحد ثقة، وهو حجة في الموضوعات كما في الأحكام، وذلك لقيام السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة وإن لم يفد ظناً شخصياً. نعم، لا إشكال في إفادته الظنّ النوعي.

إن قلتَ: إنّ حجيّة سيرة العقلاء إنّما هي فيما لو ثبت إمضاء الشارع لها، إلاّ أنّه قد ورد خبران في الردع عن العمل بهذه السيرة، وهما:

الخبر الأوّل: خبر مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سمعته يقول: كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خُدع فبيع قهراً، أو إمرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة»[1].

فهذا الخبر نهى عن العمل بخبر الواحد في الموضوعات، لأنّه حصر ذلك بالعلم؛ حيث قال: «حتّى يستبين لك غير ذلك»، أو بالبيّنة؛ حيث قال: «أو تقوم به البينة»، وهي عبارة عن شهادة عدلين.

وعليه، فخبر الواحد في الموضوعات وإن كان عدلاً فضلاً عن الثقة لا يصحّ الاعتماد عليه، ومنه وتوثيقات الرجاليّين وتضعيفاتهم، فإنّها من هذا النحو.

فلو سلّمنا قيام سيرة العقلاء على العمل بخبر الواحد في الموضوعات، إلاّ أنّه بعد ثبوت النهي عنها لا تكون حجّة.

وفيه:

أوّلاً: هذا الخبر ضعيف السند، لعدم توثيق مسعدة.

ثانياً: ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله وجماعة من طلابه الأحياء منهم والأموات، من أنّه قد يكون المراد من البيّنة في الخبر هي البيّنة العرفية لا البيّنة الشرعية الاصطلاحية، وخبر الواحد بيّنة لدى العرف، فيكون داخلاً في الخبر، وليس منهياً عنه.

والجواب: أنّه وإن أمكن التسليم بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للبيّنة، حيث لم يثبت استعمال لفظ البيّنة في لسان النبي (ص) في معناها المصطلح عليه اليوم بحدّ يوجب نقلها إليه، ولا أقلّ من الشك، والأصل عدمه، إلاّ أنّ الحقيقة المتشرّعية ثابتة لها قطعاً، على الأقلّ في زمان الصادقين عليهما السلام، وهي مستعملة في لسانهم عليهم السلام، فيما يريده الشارع المقدّس.

وعليه، فلولا ضعف الرواية، لدلّت على ضرورة العلم أو البيّنة الشرعية في الموضوعات وعدم كفاية خبر الواحد.

 

[1] وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح4.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2161
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 27-11-2014
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29