وكرواية داود بن فرقد قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي أسمع الكلام منك: فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء، قال: فتعمّد ذلك؟ قلت: لا. قال: تريد المعاني؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس»[1].
وهي ظاهرة في المطلوب أيضاً، إلاّ أنّها ضعيفة السند، لتردد ابن سنان الواقع في السند بين عبد الله الثقة ومحمد الضعيف.
وكمرفوعة ابن المختار أو غيره، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «أسمع الحديث منك، فلعلّي لا أرويه كما سمعته. فقال: إذا أصبت الصلب منه فلا بأس. إنّما هو بمنزلة تعال وهلمّ واقعد واجلس»[2].
ولكنّها ضعيفة بالرفع وبغيره أيضاً.
ومن طريق العامّة ما رووه عن عبد الله بن سليمان بن أكتمة الليثي، قال: قلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّي أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك يزيد حرفاً أو ينقص حرفاً. فقال إذا لم تحلّوا حراماً ولم تحرّموا حلالاً وأصبتم المعنى فلا بأس»[3].
وهناك أيضاً بعض الأدلّة أعرضنا عنها صفحاً لعدم تماميتها.
وأمّا القول الثاني، وهو القول بالمنع، فقد يستدلّ له ببعض الأدلّة:
منها: أنّه يلزم الكذب إذا نقل الخبر بالمعنى، لأنّ الراوي إذا قال: قال: الإمام عليه السلام كذا وكذا، فظاهره صدور اللفظ من الإمام عليه السلام، فإذا أطلقه وأراد به نقل المعنى يكون حينئذٍ كذباً وتدليساً.
وفيه: ما لا يخفى، إذ لا يستفاد من لفظ القول هو صدور اللفظ بعينه من القائل، بل المتعارف عليه بين الناس جميعاً عند قول القائل، قال: فلان، هو حكاية قوله ولو بالمعنى، بل هو الغالب عندهم، إذ يتعسّر عليهم نقل اللفظ بعينه، لا سيّما إذا كانت حكاية القول طويلة.
ومنها: أنّ الراوي إذا لم ينقل نفس اللفظ من المعصوم عليه السلام وإنّما نقل معناه، فيكون بذلك قد اجتهد في فهم المعنى.
وعليه، فأخذ الفقيه هذا المعنى من الراوي يكون تقليداً له، وهو باطل.
وفيه: أنّ التعويل على الراوي من هذه الجهة ليس تقليداً له، بل التعويل عليه كالتعويل على نقل اللغوي للمعنى.
وإن شئت فقل: كما أنّ الفقيه يستنبط الحكم الشرعي من الرواية، كذلك في فهم المعنى من الرواية.
ومنها: أنّ النقل بالمعنى قد يوجب اختلال المقصود، لا سيّما إذا تعدّدت الطبقات، حيث كلّ طبقة تنقل المعنى من الطبقة السابقة.
وفيه: أنّه قد اشترطنا سابقاً، أنّه لا بدّ من صحّة النقل بالمعنى أن يكون الناقل عارفاً بأساليب الكلام، بحيث لا يخلّ نقله بالمقصود، وإلاّ لم يصحّ النقل بالمعنى.
ومنها: موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطب الناس في مسجد الخيف. فقال: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»[4].
وفيه: أوّلاً: أنّها لا تدلّ على وجوب النقل باللفظ، إذ يصدق تبليغ مقالته فيما لو أداها الراوي بالمعنى.
وثانياً: لو فرضنا دلالتها على وجوب النقل باللفظ، إلاّ أنّنا ذكرنا سابقاً بعض الروايات الدّالة على جواز النقل بالمعنى.
ومقتضى الجمع بينهما، حمل هذه الموثقة على الاستحباب، أي يستحب النقل باللفظ.
[1] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، 10.
[2] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح87.
[3] المعجم الكبير للطبراني، ح6491. أسد الغابة لابن الأثير، ج3، ص178.
[4] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح43.
|