الثالثة: ما رواه عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح عن الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام أنّه سئل عن كتب بني فضال، فقال: «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»[1].
وهي ضعيفة بجهالة عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح.
الرابعة: ما استدلّ به العماد بن الكثير للعمل بالوِجادة، بقوله (صلّى الله عليه وآله): «أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة. قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم. قالوا: فالأنبياء. فقال: كيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم. قالوا: نحن. قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم. قالوا: فمن يا رسول الله. قال: قوم يأتون بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها»[2].
وفيها: أنّها ضعيفة جداً وإن كان يعتبرها المستدلّ أنّها من الحديث الصحيح.
وبالجملة، فإنه يستفاد من هذه الروايات جواز العمل بما في الكتب، سواء أكان هناك إجازة أم لم يكن.
ومنها: ما ورد من جملة من الروايات الدالة على الأمر بالكتابة وبثّ العلم، وهي كثيرة، نذكر بعضها:
الأولى: موثّقة عبيد الله بن زرارة. قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها»[3].
الثانية: رواية أبي بصير. قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا»[4].
وهي ضعيفة بعدم وثاقة معلّى بن محمد.
الثالثة: رواية المفضّل بن عمر. قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم»[5].
ولكنّها ضعيفة بالإرسال، وبجهالة أبي سعيد الخيبري.
وظاهر هذه الأخبار جواز العمل بالرواية الموجودة في الكتب، وجواز التحديث وإن لم يكن هناك إجازة.
وأمّا أدلّة المانعين، فهي جملة من الأمور:
منها: ما دلّ على الإرجاع إلى الرواة في مقامي القضاء والفتوى، كما في قوله عليه السلام في التوقيع الذي رواه إسحاق بن يعقوب عن صاحب الزمان عليه السلام: «وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله»[6].
وهي ضعيفة بجهالة إسحاق بن يعقوب، وعدم وثاقة محمد بن محمد بن عصام.
ووجه الاستدلال بها: أنّ الموضوع فيها هو الراوي، وهو لا ينطبق على من يعمل بالوِجادة، إذ ليس هو راوياً.
ثمّ إنّ هذا التوقيع لا يخلو من إجمال في المراد، إذ الرجوع إليهم هل هو في حكم الحوادث ليدلّ على حجّية الفتوى، أو في حسمها ليدلّ على نفوذ القضاء.
وكذا ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة: «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً... الحديث»[7].
وهي ضعيفة، لعدم وثاقة عمر بن حنظلة، وسمّيت مقبولة، لتلقّي الأصحاب إياها بالقبول، وهي مثل الرواية السابقة، حيث جعل الموضوع فيها: «من روى حديثنا»، والعامل بالوِجادة ليس راوياً للحديث.
وفيه: بعد ضعفهما سنداً، أنّ الراوي لم يؤخذ على جهة الموضوعية وإنّما أخذ طريقاً إلى كونه قاضياً ومفتياً، باعتبار أنّه يقضي ويفتي على طبق روايات أهل البيت عليهم السلام لا بالقياس والاستحسان.
ويؤكّد ذلك: ما ورد في صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال عن أبي الله عليه السلام: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً. الحديث»[8].
حيث لم يؤخذ فيها عنوان الراوي، بل الموضوع فيها هو: «الرجل الذي يعلم شيئاً من قضايا الأئمة عليهم السلام».
ومن جملة الأدلّة على المنع: السيرة العملية من السلف إلى الخلف، حيث كانت سيرة الأصحاب قديماً على المسافرة، وقطع الفيافي والقفار إلى البلدان النائية لملاقاة الأعلام والأجلّة، وأخذ الحديث منهم على طريق الإجازة مع إمكان الوصول إلى كتبهم بغير ذلك، بل كانوا يقصدون علماء العامّة لأخذ الإجازة منهم في رواية أحاديثهم.
وحكى الشهيد الأوّل رحمه الله عن نفسه في إجازته لابن الخازن، قال: «وأمّا مصنّفات العامة ومروياتهم، فإنّي أروي عن نحو من أربعين شيخاً من علمائهم بمكة، والمدينة، ودار السلام، وبغداد، ومصر، ودمشق، وبيت المقدس، ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام... الخ»[9].
وبالجملة، فإنّ أمر الإجازة كان متعارفاً عليه من قديم الزمن.
[1] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 79.
[2] السيوطي، تدريب الراوي، 2 60.
[3] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 17.
[4] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 16.
[5] وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 18.
[6] وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح9.
[7] وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح1.
[8] وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب صفات القاضي، ح5.
[9] البيان، ص11. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج1، ص12.
|