إذا عرفت ذلك، فنقول:
ذهب جماعة من الأعلام إلى اعتبار كلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، إذا لم يكن ممّن استثناه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد، فإنّ اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف على اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة. والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة.
وذهب بعضهم إلى أنّ التصحيح والاستثناء راجع إلى كلّ من جاء إسمه في إسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى الإمام عليه السلام، كما أنّهم ذهبوا إلى الحكم بضعف من استثناهم ابن الوليد.
والعمدة في الحكم في وثاقة المستثنى منه وضعف المستثنى هو ما يفهم من اعتراض أبي العباس بن نوح على إدخال محمد بن عيسى بن عبيد في المستثنى، وتعليله لذلك بأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة، فهذا يدلّ على أنّ نفس الاستثناء كاشف عن ضعف المستثنى ووثاقة المستثنى منه، ومن أجله اعترض أبو العباس بن نوح على إدخال محمد بن عيسى بن عبيد فيهم لكونه ثقة عدلاً.
واستشكل على ذلك السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في كتابه معجم رجال الحديث حيث قال: «ولكن الظاهر عدم صحة ذلك، فإنّ اعتماد ابن الوليد على رواية شخص لا يكشف عن حسنه فضلاً عن وثاقته، إذ لعلّه كان يبني على أصالة العدالة، ويعمل برواية كلّ شيعي لم يظهر منه فسق، فاعتماده على رواية شخص لم يعلم أنّه توثيق له»[1] انتهى.
أقول: إنّ اجتهاد أبي العباس ابن نوح في أنّ سبب استثناء ابن الوليد لرواية محمد بن عيسى بن عبيد هو عدم الوثاقة، ولذا تعجّب من استثنائه لأنّه على ظاهر العدالة والثقة في غير محلّه، بل الاستثناء لا يدلّ على ضعف المستثنى، ولا على وثاقة المستثنى منه، وذلك لعدة أمور:
الأوّل: أنّه من المعلوم أنّ الصحّة عند المتقدّمين تختلف عن الصحّة عند المتأخرين. فالصحيح عند المتقدمين، ما كانت الرواية صادرة عن المعصوم عليه السلام وإن كان الراوي لها ضعيفاً أو مجهولاً. وبالجملة، فالمناط عندهم هي القرائن الموجبة لصدور الحديث. وأمّا الوثاقة، فهي من جملة القرائن. وعليه، فتقسيم الحديث إلى الصحيح، والحسن، والموثق، والمرسل، والمضمر، والمقطوع، والمرفوع، ونحو ذلك، إنّما نشأ عند المتأخرين ولم يعرفه المتقدّمون، بل الصحيح عندهم عبارة عن صدور الحديث عنهم عليهم السلام، وغير الصحيح عبارة عن عدم الصدور، فلا يكشف الاستثناء حينئذٍ عن ضعف المستثنى باصطلاح المتأخرين.
الثاني: أنّ استثناء ابن الوليد لرواية محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد لو كان لعدم وثاقته، فلماذا قيّد الاستثناء بإسناد منقطع، بل كان المفروض عدم قبول روايته مطلقاً، سواء كان بإسناد منقطع، أم بإسناد متصل، إذ العلّة هي عدم الوثاقة، وهي لا تفرق بين الصورتين.
الثالث: لو كان الاستثناء لأجل عدم وثاقة المستثنى. فمن أين فهم ابن الوليد ضعف الراوي الذي استثناه من روايات نوادر الحكمة ما رواه عن رجل أو بعض أصحابنا أو يقول في حديث أو كتاب ولم أروه؟ فمن أين عرف ضعف الراوي المجهول؟ وهذا يحتاج إلى دعوى علم الغيب. وعليه، فهذا يكشف عن أنّ الاستثناء لم يكن لأجل ضعف الراوي.
الرابع: روى الشيخ الصدوق رحمه الله في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام حديثاً طويلاً، يقول في آخره: «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم بالكفّ والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.
قال مصنف هذا الكتاب أي (الصدوق رحمه الله): كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه اللهسيّء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث، وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لأنّه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه، فلم ينكره، ورواه لي»[2] انتهى.
فلو كان الملاك في ردّ الحديث هو ضعف الراوي، فلماذا لم ينكر هذا الحديث الذي رواه المسمعي، بل رواه له؟ وهذا يكشف عن أنّ الملاك في قبول الرواية وعدمها هو القرائن.
ثمّ اعلم أنّ هذا الحديث استدلّ به الأخباريون على وجوب التوقّف والاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية بعد الفحص.
الخامس: أنّه يظهر من كلام الشيخ رحمه الله في الفهرست حيث قال: «محمد بن أحمد بن يحيى» إلى أن قال: «له كتاب نوادر الحكمة وهو يشتمل على كتب» إلى أن قال: «وأخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى عنه وقال أبو جعفر بن بابويه إلاّ ما كان فيها من غلّو أو تخليط... الخ»[3] أنّ استثناء الغلّو والتخليط راجع إلى الكتب التي اشتمل عليها نوادر الحكمة.
وعليه، فعدم الاستثناء، لا يدلّ على أنّ اعتبار بقيّة الروايات من جهة اعتبار أسانيدها ووثاقة رواتها، بل يدلّ على أنّ هذه الروايات الموجودة في هذه الكتب، مثل الروايات الموجودة في كتاب الكافي، والفقيه، فتكون من جملة الكتب المعتبرة لوجود قرائن تدلّ على ذلك.
السادس: لو كان المستفاد من استثناء ابن الوليد وثاقة المستثنى منه لكان اللازم هو الحكم بوثاقة كلّ من وقع في كتاب نوادر الحكمة عدا من استثني، ولا ينبغي الاقتصار على مشايخه المباشرين، لأنّ من جملة من استثناهم ابن الوليد رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن وهب بن منبّه، وهو يروي عن الإمام الصادق عليه السلام، ولا يمكن أن يكون من مشايخه المباشرين، مع أنّ الحكم بوثاقة كلّ من وجد في الكتاب عدا من استثنى لا يمكن قبوله، وذلك لوجود أكثر من عشرة أشخاص معروفين بالضعف، ووجود أكثر من أربعين شخصاً مجهولي الحال.
[1] معجم رجال الحديث، ج15، ص47.
[2] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، باب 30، ذيل ح45.
|