ومنها: ما رواه الكشي رحمه الله أيضاً عن محمد بن الحسن البراثي (البراني) وعثمان قالا: حدثنا محمد بن يزاد عن محمد بن الحسين عن الحجّال عن أبي مالك الحضرمي عن أبي العباس البقباق قال: «تدارأ (تذاكر) ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء، وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء، قال فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام قال: فلمّا استقرّ مجلسهما قال: فبدأهما أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا عبد الله أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء»[1].
والرواية حسنة، فإنّ محمد بن الحسن البراثي (البراني) وإن كان مجهولاً إلاّ أنّ عثمان الذي يروي عنه الكشي مع محمد بن الحسن هو عثمان بن حماد الثقة، كما أنّ محمد بن يزاد ممدوح. وأمّا الحجّال فهو عبد الله الثقة، وأبو مالك الحضرمي هو الضحاك الحضرمي الثقة. وأمّا أبو العباس البقباق، فهو أشهر من أن يعرّف.
وكذا غيرها من الروايات.
والإنصاف: أنّ الجرح مقدّم على التوثيق، لا سيّما إذا كان الجرح من النجاشي رحمه الله. ولا أقلّ يقع التعارض بينهما، وبعد التساقط يصبح الرجل مجهول الحال.
وأمّا القول بأنّ التضعيف إنّما هو من جهة نسبته إلى الغلوّ.
ففيه: أوّلاً: أنّه خلاف ظاهر عبارة النجاشي رحمه الله، ولا يصحّ حملها على خلاف الظاهر بلا قرينة.
وثانياً: أنّه لا يظهر من الروايات أنّه كان منحرفاً أو مغالياً، إلاّ حسنة أبي العباس البقباق، حيث جعل الأوصياء أنبياء، ولكن يظهر أنّه رجع عن هذا القول بعد سماعه قول الإمام عليه السلام.
وأمّا نسبة المغيرية إليه، أو أنّه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله، فهذا موجود في كلام ابن الغضائري فقط، ولم يثبت ذلك. ولا سيّما أنّ الروايات لا يوجد فيها شيء من هذا القبيل.
والخلاصة: إنّ المعلّى بن خنيس ضعيف لا يعمل بروايته. والله العالم.
الثاني عشر: المفضّل بن عمر
أقول: اختلف الأعلام في وثاقته وعدمها، فذهب جماعة منهم إلى الوثاقة. وذهب جمع آخر إلى ضعفه.
ولنبدأ بما دلّ على وثاقته، وهو عدّة أمور:
الأوّل: عدّه الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد من خاصة أبي عبد الله عليه السلام وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين، وممّن روى النصّ بالإمامة منه على ابنه أبي الحسن موسى عليه السلام[2].
الثاني: عدّه الشيخ رحمه الله في كتاب الغيبة من الوكلاء الممدوحين وحسن الطريقة[3].
الثالث: ذكر الشيخ رحمه الله رواية في التهذيب في باب المهور والأجور ينتهي سندها إلى محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر، ثمّ قال في آخرها: «فأوّل ما في هذا الخبر، أنّه لم يروه غير محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، ومحمد بن سنان مطعون عليه، ضعيف جداً... الخ»[4].
فتعرّضه لمحمد بن سنان، وعدم تعرّضه للمفضّل، يكشف عن اعتماده عليه، وعدم ضعفه.
الرابع: ما ذكره محمد بن علي بن شهر آشوب في المناقب في باب إمامة أبي عبد الله عليه السلام قال: «من خواص أصحابه»[5].
وفي مورد آخر، ذكر أنّه من الثقات الذين رووا صريحاً النصّ على موسى بن جعفر عليه السلام.
وفيه: أنّ ابن شهر آشوب من المتأخرين عن الشيخ الطوسي رحمه الله، وهو معاصر لابن إدريس رحمه الله، فتوثيقاته غير معتمد عليها، إلاّ أنّه مؤيّد للمطلب.
الخامس: وقوعه في تفسير علي بن إبراهيم.
وفيه: ما عرفت أنّه ليس من مشايخه المباشرين.
السادس: رواية الأجلاّء عنه، مثل ابن أبي عمير، ومحمد بن مسلم، وجعفر بن بشير، ويونس بن عبد الرحمن، وعثمان بن عيسى، والحسن بن محبوب وغيرهم.
وفيه: أنّ رواية الأجلاّء عنه إذا كانت كثيرة تكشف عن وثاقته إذا لم يرد فيه ذمّ، كما ذكرنا ذلك في أكثر من مناسبة.
السابع: روى عنه جعفر بن بشير. وقال النجاشي في ترجمته: «روى عن الثقات ورووا عنه»[6].
ولكن سنذكر إن شاء الله تعالى أنّه لا يستفاد من هذه العبارة أنّه لا يروي إلاّ عن الثقات، وإنّما المراد مدحه بأنّه يروي عن الثقات، كما أنّه يروي عن غيرهم.
الثامن: أنّ ابن الوليد لم يستثنه من كتاب نوادر الحكمة.
ولكن الإنصاف: أنّ عدم استثنائه لا يكشف عن وثاقته. نعم، يستفاد مدحه.
التاسع: الروايات المادحة، وقد بلغت ستة وعشرين رواية تقريباً، فيكون هناك تواتر إجمالي، وهذه الروايات وإن كان أغلبها ضعيف السند، إلاّ أنّه يؤخذ بأخصّها مضموناً، وهو المدح دون التوثيق. ونحن نذكر بعضها:
منها: ما رواه الكشي رحمه الله قال: حدّثني إبراهيم بن محمد، قال: حدّثني سعد بن عبد الله القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد، عن أسد بن أبي العلاء، عن هشام بن أحمر، قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره.
فابتدأني فقال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو، (الرجل) المفضل بن عمر الجعفي، حتى أحصيت نيفاً وثلاثين مرّة يقولها ويكررها، قال: إنّما هو والد بعد والد... الخ»[7].
ولكنّها ضعيفة بأسد بن أبي العلاء فإنّه غير موثق، وبجهالة هشام بن أحمر.
ومنها: رواية المفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «اكتب وبثّ علمك في أخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم»[8].
وهذه رواية الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، مع أنّ الراوي لها هو المفضّل.
[1] اختيار معرفة الرجال، ج2، ح456، ص515.
[3] الغيبة، ذكر الممدوحين من وكلاء الأئمة عليهم السلام ص210.
[4] تهذيب الأحكام، ج7، ص361.
[5] مناقب آل أبي طالب، ج4، باب إمامة أبي عبد عليه السلام.
[7] اختيار معرفة الرجال، ج2، ص614، ح585.
[8] الكافي، باب رواية الكتب والحديث، ح11.
|