• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الرجال .
              • القسم الفرعي : التوثيقات الضمنية (العامة) / بحث الرجال .
                    • الموضوع : الدرس 40 _ التوثيقات العامة (الضمنية) 7 .

الدرس 40 _ التوثيقات العامة (الضمنية) 7

بقي الكلام في القول الثاني، وهو الذي ذهب إليه جماعة من الأعلام منهم السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، وهو أنّ المراد بيان وثاقة هؤلاء الأشخاص وجلالتهم في أنفسهم فقط من دون نظر إلى رواياتهم.

وممّن ذهب إلى هذا الرأي أيضاً المحقق الشيخ عبد الله بن الحسين التستري المتوفي سنة  للهجرة.

وحكى عنه تلميذه الشيخ عناية الله القهبائي، قال: قال: الأستاذ مولانا النحرير المدقق والحبر المحقق المجتهد في العلم والعمل عبد الله بن حسين التستري قدس سره: «وربّما يخدش بأنّ حكمهم بتصحيح ما يصحّ عنهم، إنّما يقتضي الحكم بوقوع ما أخبروا به، وهذا لا يقتضي الحكم بوقوع ما أخبر هؤلاء عنه في الواقع، والحاصل أنّهم إذا أخبروا أنّ فلاناً الفاسق حكم على رسول الله (ص) مثلاً بما يقتضي كفره ­ نستغفر الله منه ­ فإنّ ذلك يقتضي حكمهم بصحّة ما أخبروا به وهو وقوع المكفّر عن الفاسق المنسوب إليه ذلك لا صحّة ما نسب إلى الفاسق في نفس الأمر».

إلى أن قال: «إنّ الجماعة المذكورين في هذه التسميات الثلاث إذا أخبروا عن غير معتبر في النقل، فإنّه لا يلزم الحكم بصحّة ما أخبروا عنه في الواقع، نعم يلزم ذلك إذا أخبروا عن معتبر»[1]. انتهى.

وقد يستدلّ للقول الثاني بجملة من الأدّلة:

الأوّل: أنّ العبارات الثلاث الصادرة من الكشي رحمه الله يحتمل فيها الوجوه الخمسة المتقدّمة، وبما أنّها مجملة لا تعيّن لأحد الوجوه المتقدّمة، إلاّ أنّ الاحتمال الثاني، وهو وثاقة هؤلاء فقط، هو القدر المتيقّن، فنأخذ به ونطرح الباقي.

أقول: إنّه لا بأس بهذا الدليل.

الثاني: أنّ الشيخ الكشي رحمه الله اكتفى في تسمية الطبقة الأولى بقوله: «اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر  عليه السلام وأبي عبد الله  عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه... الخ».

وهذه العبارة تدلّ بالمطابقة على وثاقتهم لا غير، ويمكن أن تكون هذه العبارة قرينة على المراد من العبارتين الأخيرتين في الطبقة الثانية والثالثة، وهي تصحيح ما يصحّ عن جماعة، فيحمل على التصديق.

الثالث: ما حُكي عن السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله قال: «المراد تصديقهم لما أخبروا به وليس إخبارهم في الأخبار مع الواسطة إلاّ الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه، فإذا قال ابن أبي عمير حدثني زيد النرسي: قال: حدثني علي بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله  عليه السلام كذا لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ تحديث زيد، وهذا ما ورد في الطبقة الأولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين، أي الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم، لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة لو لم نقل مطلقاً، فحينئذٍ، إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة أو لا. إلاّ أنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم، وتصحيح ما يصحّ عنهم، غيرهم من الوسائط، فلا بدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها... الخ»[2].

وحاصله: إنّ معنى تصحيح ما صحّ عنهم، هو أنّ النقل عن هؤلاء صحيح، فكما يقال صحّ عن فلان أو في الصحيح عن ابن أبي عمير، أي أنّ نقل الرواة الخبر إلى ابن أبي عمير صحيح، لا أنّ الحديث صحيح، فكذلك المقام، فإنّ المراد من نقلهم صحيح، لا أنّ رواياتهم صحيحة.

وفيه: إن أراد أنّ هذا هو المعنى الظّاهر من تصحيح ما يصحّ عنهم، فيرد عليه: أنّ العبارة لو لم تكن ظاهرة في خلاف ما ذكره لا أقلّ من عدم كونها ظاهرة في ذلك.

نعم، إن أراد أنّ هذا المعنى هو القدر المتيقّن من العبارة لكونها مجملة، فهو وإن كان في محلّهّ إلاّ أنّه يرجع إلى الدليل الأوّل.

أقول: وممّا يؤيّد هذا المعنى الذي اخترناه، وهو أنّ المراد من العبارة هو وثاقتهم فقط، ما ذكرناه سابقاً في وجه بطلان سائر الأقوال من أنّ الشيخ رحمه الله وغيره من الأعلام ناقشوا روايات صفوان وابن أبي عمير وغيرهما ممّن ذكر في معقد الإجماع.

ثم قد يرد على هذا القول بأنّه لو كان المراد هو ذلك، لماذا اقتصر على هؤلاء الثمانية عشر مع أنّ هناك جملة من الرواة ليسوا أقلّ شأناً منهم.

والجواب: أنّ وجه الاقتصار على هؤلاء هو كونهم فقهاء أعلام يرجع إليهم في الفتيا، وليسوا فقط مجرّد رواة.

ومن هنا قال الكشي رحمه الله: «وانقادوا لهم بالفقه وأقروا لهم بالفقه والعلم».

وهذا، بخلاف غيرهم، كما لا يخفى.

هذا، وقد أورد المحدّث النوري إيراداً آخر وحاصله: «إنّ أئمّة فنّ الحديث والدراية صرّحوا بأنّ الصحّة والضعف والقوة والحسن وغيرهما من أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند، إلى أن قال... وقد يطلق على السند مسامحة، وتوسعة مع التقييد، فيقولون: (في الصحيح عن ابن أبي عمير مثلاً)، وهو خروج عن الاصطلاح، كما صرحوا به، فالمراد بالموصولة في قوله: (ما يصحّ عنه) هو متن الحديث لأنّه الذي يتّصف بالصّحة والضعف... الخ»[3].

وفيه: أنّ الصّحة كما تقع وصفاً للمتن، تقع وصفاً للسند أيضاً، وتخصيصها بالمتن فقط لا دليل عليه.

بقي شيء في المقام، وهو أنّ المامقاني رحمه الله في مقباس الهداية ذكر: «إنّ المراد بهذا الإجماع ليس هو المعنى اللغوي وهو مجرّد اتفاق الكلّ، بل المعنى المصطلح وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم  عليه السلام، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك... الخ»[4].

وقال السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله: «ثمّ إنّا لو تنزّلنا عن ذلك وفرضنا أنّ عبارة الكشي رحمه الله صريحة فيما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل رحمه الله ­ وهو الحكم بصحّة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرّد صحّته عنهم من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه ­ فغاية ذلك دعوى الاجماع على حجّية رواية هؤلاء عن المعصومين  عليه السلام تعبّداً، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفاً أو مجهول الحال. فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الاجماع على حكم شرعي. وقد بيّنا في المباحث الأصولية: أنّ الاجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة، وأدلّة حجّية خبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسية»[5]. انتهى

أقول:

الظاهر أنّ المراد بالاجماع هنا غير الاجماع في المسائل الفقهية الذي هو كاشف عن رأي المعصوم  عليه السلام.

وعليه، فالإجماع هنا، عبارة عن شهادة جماعة كثيرة بوثاقة هؤلاء الأشخاص، وليس المطلوب من هذا الإجماع أن يكون كاشفاً عن رأي المعصوم  عليه السلام.

نعم، إذا كشف عنه يكون زيادة خير على خير، ويكون آكد في المطلوب. والله العالم.

 

[1] كليات في علم الرجال، الفصل السادس، ص181.

[2] عن كليات في علم الرجال ص183.

[3] خاتمة المستدرك، ج7، ص23.

[4] مقباس الهداية، ص70.

[5] معجم رجال الحديث، ج1 ص60.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2110
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 17-12-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12