• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الرجال .
              • القسم الفرعي : التوثيقات الضمنية (العامة) / بحث الرجال .
                    • الموضوع : الدرس 38 _ التوثيقات العامة (الضمنية) 5 .

الدرس 38 _ التوثيقات العامة (الضمنية) 5

ثمّ إنّ جماعة من الأعلام قبلوا هذا الإجماع من الكشّي رحمه الله، وتلقّوه بالقبولّ منهم رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب رحمه الله من علماء القرن السادس المتوفي عام  للهجرة، ومنهم العلاّمة الحلّي رحمه الله المتوفي عام  للهجرة، ومنهم ابن داود رحمه الله المولود عام  للهجرة.

وقد يظهر ذلك أيضاً من الشهيد الأول رحمه الله في غاية المراد عند البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب حيث قال: «وقد قال الكشّي: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب»[1].

وهكذا غيرهم من الأعلام، ولا يهمّنا كثيراً تعداد أسماء من قَبِل هذا الإجماع.

ثمّ إنّه يظهر من بعض الأعلام أنّه نقل الإجماع عن الكشّي رحمه الله، ويظهر من البعض الآخر أنّه ادّعى الإجماع كدعوى الكشي رحمه الله، والذي يهمّنا في البحث هو الأمر الثاني، وهو ماذا يستفاد من العبارة؟!

فنقول:

هناك عدّة احتمالات:

الأوّل: ما ذكره جماعة من الأعلام من أنّ معقد الإجماع يدلّ على تصحيح روايات هؤلاء الأشخاص عنهم وعمّن بعدهم، أي من رووا عنه كائناً من كان، بمعنى أنّه إذا صحّت الرواية عنهم ووصلت إلينا بطريق صحيح، فهي حجّة من دون حاجة إلى ملاحظة حال من بعدهم، بل ينبغي ملاحظة حال من كان في السند قبلهم، أي الوسائط بيننا وبينهم.

قال المحقق الكاشاني رحمه الله في أوائل كتابه الوافي في المقدمة الثانية: «وقد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة أو الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، الحكم بصحّة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرّد صحّته عنهم من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه، حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع، فضلاً عمّا لو أرسلوا الحديث كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً على نسبته إلى أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم. وأنت خبير بأنّ هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه، فإنّ ما يصحّ عنهم إنّما هو الرواية لا المروي، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممّن لم ينقل الإجماع على عدالته»[2]. انتهى.

الثاني: ما ذهب إليه صاحب الوافي الكاشاني رحمه الله والسيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله وبعض الأعلام المتأخرين هو أنّ معقد الإجماع يدلّ على وثاقة هؤلاء وجلالتهم في أنفسهم فقط، ولا دلالة فيه على تصحيح رواياتهم ولا وثاقة من بعدهم، أي من رووا عنه.

الثالث: ما ذهب إليه جماعة من الأعلام منهم العلاّمة الحلي والشهيد والشيخ البهائي والعلاّمة المجلسي والسيد بحر العلوم وغيرهم (رحمهم الله)، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على وثاقة هؤلاء الأشخاص ووثاقة من بعدهم، بمعنى أنّ كلّ من روى عنه هؤلاء فهو ثقة، وإن كان بعضهم مجهول الحال أو مهملاً عندنا.

الرابع: ما ذهب إليه صاحب الفصول ونسب إلى صاحب الرياض وغيره، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على توثيق هؤلاء وصحّة رواياتهم، ولا دلالة فيه على توثيق من بعدهم.

الخامس: أنّ معقد الإجماع يدلّ على بيان منزلة هؤلاء من حيث العلم والفقاهة ولا ربط له بالرواية.

وهو المناسب لذكر الإجماع تحت عنوان الفقهاء من أصحاب الأئمة عليهم السلام.

إذا عرفت ذلك، فنقول: ما هو الصحيح من هذه الاحتمالات الخمسة؟

ولنبدأ من الاحتمال الأخير، فنقول: إنّ هذا المعنى ربّما كان ظاهراً من العبارة الأولى للكشي رحمه الله، حيث ورد فيها: «... وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأوّلين ستة... الخ»[3].

وهذا يدلّ على بيان فقاهتهم وأنّهم الأكابر في الفقه.

ويؤيّد هذا الاحتمال: ما ذكره ابن شهر آشوب في مناقب الإمامين الباقرين عليهما السلام، حيث قال في مناقب الباقر  عليه السلام: «واجتمعت العصابة أنّ أفقه الأوّلين ستة وهم أصحاب أبي جعفر  عليه السلام وأبي عبد الله  عليه السلام وهم زرارة بن أعين... الخ»[4]. فإنّه اقتصر على ذكر الفقاهة والفقهاء من أصحابهم، ولم يشر إلى الروايات وصحّتها.

وفيه:

أوّلاً: أنّ قول الكشي رحمه الله في عبارته الأولى: «... وانقادوا لهم بالفقه...»، وإن كان يدلّ على بيان منزلة هؤلاء من حيث الفقاهة، إلاّ أنّ هذه العبارة جاءت بعد عبارته: «أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين... الخ».

وهذه العبارة لا بدّ من حملها على أحد المعاني الأربعة المتقدمة، ويكون قوله: (وانقادوا لهم بالفقه) توصيفاً آخر اهتماماً بحسن حالهم.

وإذا تأمّلت عبارته الثانية والثالثة تحت تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله  عليه السلام وتسمية الفقهاء من أصحاب أبي أبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام، تجد صحّة ما قلناه وأنّ الإقرار لهم بالفقه يكون توصيفاً آخر لبيان جلالتهم في الطائفة.

والخلاصة: إنّ الاحتمال الأخير بعيد.

وأمّا الاحتمال الأوّل وهو الحكم بصحّة روايات هؤلاء بالمعنى المعروف عند القدماء، وهو الاطمئنان بصدق رواياتهم من دون توثيق لمشايخهم فيحكم بصحّة الرواية، وإن كان السند مرسلاً أو مشتملاً على مجهول أو ضعيف.

وبعبارة أخرى: يكون المراد تصحيح متون رواياتهم لا توثيق من يقع في إسنادها.

ومن المعلوم، أنّ هذا يبتني على أنّ الصحّة عند المتقدمين تختلف عنها عند المتأخرين، فإنّ الصحّة عند المتقدمين تعني صحّة المتن لا صحّة السند، أي أنّ المروي صحيح ومطابق للواقع، ولا دلالة فيه على وثاقة الرواة.

وتوضيحه: إنّ الصحيح عند المتأخرين من عصر العلاّمة أو عصر شيخه أحمد بن طاووس (رحمهما الله) هو ما كان سنده متصلاً إلى المعصوم  عليه السلام بنقل الإمامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات، كما أنّه ينقسم باصطلاح المتأخرين إلى أربعة أقسام الصحيح والموثق والحسن والضعيف.

وأمّا مصطلح القدماء، فهو عبارة عمّا احتفّت به القرائن الداخلية أو الخارجية، أو كلّ منهما، الدالّة على صدقه، وإن اشتمل سنده على ضعف. ومن القرائن الداخلية الدّالة على صدق الخبر هو كون رواته ثقاتاً.

 

[1] غاية المراد، ج2 ص41.

[2] الوافي، ج1 ص27.

[3] اختيار معرفة الرجال، ج2، ص507.

[4] مناقب آل أبي طالب، ج3 ص340.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2108
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 26-11-2015
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29