ثانياً: كيفية وصوله إلينا وإمكانية الاعتماد عليه
بعد أن عرفت أنّ الواصل إلينا هو خصوص كتاب الضعفاء من الكتابين المدّعى نسبتهما إلى ابن الغضائري، فإنّ أوّل من وجد هذا الكتاب على ما يبدو هو السيد جمال الدين أحمد بن طاووس الحسين الحلّي رحمه الله، فأدرجه في كتابه (حلّ الإشكال في معرفة الرجال)، حيث جمع فيه عبارات الأصول الخمسة الرجالية المتقدّمة وهذا الكتاب، ولكنّه نصّ على أنّه لا طريق له ولا سند متصل إليه؛ حيث قال في أوّل كتابه: «ولي بالجميع روايات متّصلة سوى كتاب ابن الغضائري»[1].
ولا يخفى، أنّ الوِجادة لا اعتداد بها إلاّ إذا كانت محفوفة بما يدلّ على صحّة نسبة الكتاب إلى صاحبه، كما بالنسبة إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب الذي استطرف ابن إدريس رحمه الله من رواياته في مستطرفات السرائر، فإنّ هذا الكتاب وإن كان ابن إدريس قد وجده، ولا طريق له إليه بالخصوص إلاّ أنّه وجده بخط جدّه الشيخ الطوسي الذي يعرفه، ولمّا كان طريق الشيخ إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب صحيحاً، فلا انقطاع، لذلك فأحاديثه مستثناة من بقية أحاديث المستطرفات، لسلامتها من آفة الانقطاع.
إذاً، لا طريق لابن طاووس إلى كتاب ابن الغضائري، وإنّما أدرج كلّ من العلاّمة وابن داود (رحمهما الله) كتابه في كتابيهما تأثراً بأستاذهما.
ثمّ إنّ كتاب (حل الإشكال) كان موجوداً بخطّ مصنّفه عند الشهيد الثاني رحمه الله، ثمّ انتقل إلى ولده الشيخ حسن رحمه الله صاحب المعالم، فاستخرج منه كتابه الموسوم بـ (التحرير الطاووسي)، ثمّ انتقلت تلك النسخة بعينها إلى المولى عبد الله بن الحسين التستري رحمه الله المتوفّى سنة للهجرة، فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء، المنسوب إلى ابن الغضائري، مرتّباً على الحروف وذكر في أوّله سبب استخراجه فقط.
ثمّ أدخل تلميذه المولى عناية الله القهبائي رحمه الله تمام ما استخرجه المولى عبد الله المذكور، في كتابه مجمع الرجال المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية.
وإليك نصّ ما ذكره المولى عبد الله التستري حسب ما نقله عنه تلميذه القهبائي في مقدّمة كتابه (مجمع الرجال): «إعلم أيّدك الله وإيانا أنّي لمّا وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف، وقد كنت رزقت بحمد الله النافع من تلك الكتب، إلاّ كتاب ابن الغضائري، فإنّي كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا، وكان كتاب السيّد هذا بخطّه الشريف مشتملاً عليه، فحداني التبرّك به مع ظنّ الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه، راجياً من الله الجواد الوصول إلى سبيل الرشاد»[2].
إذا عرفت ذلك، فالإنصاف: أنّ كتاب ابن الغضائري لم يصلنا بطريق صحيح، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه.
مع الإشارة إلى ذهاب البعض إلى أنّه كتاب موضوع، وأنّ الغاية منه تشويه صورة المذهب الحقّ عن طريق تضعيف الأصحاب ولو لمجرّد نقلهم روايات في مدائح آل محمد (ص) يراها غلوّاً، حتّى نسب إلى السيد الداماد رحمه الله أنّه قال في رواشحه: «قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه»[3].
[1] كليات في علم الرجال، ص82.
[2] كليات في علم الرجال، ص83.
[3] كليات في علم الرجال، ص90.
|